﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾..من هم أهل الذكر؟

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المراد من قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾ [النحل: 43]، لا يقتصر على أهل العلم الشرعي فقط، بل يشمل كلَّ أهل التخصص والخبرة في مختلف العلوم والفنون التي يحتاج إليها الإنسان في حياته. فالآية الكريمة جاءت بلفظ عام، وحمل النص على عمومه أولى ما لم يَرِد مخصص.
معنى أهل الذكر في القرآن الكريم
ذكرت الفتوى أن كلمة "أهل الذكر" تُطلق على كل من يُعرف بالعلم والمعرفة في مجاله، سواء كان علمًا شرعيًّا أو دنيويًّا. ونقلت عن الإمام الزَّجَّاج قوله: «سلوا كل من يُذْكَر بعلم، وافق هذه الملة أو خالفها»، وهو ما يبيّن أن المراد بالآية الرجوع إلى أهل الخبرة في كل علم يحتاجه الناس.
كما أشارت إلى ما ذكره الإمام القرافي في "شرح تنقيح الفصول" أن الآية نصّت على سؤال أهل الذكر، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة تحريم سؤال غير أهل التخصص، إذ لا يصح استفتاء غير المتخصص في أمور العلم.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحترام التخصص
أوضحت دار الإفتاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّم الأمة مبدأ التخصص، فرغم ما أوتي من علم رباني كان يستشير أصحابه من أهل الخبرة في الأمور الدنيوية، ليؤكد للناس ضرورة الرجوع إلى أهل الاختصاص.
كما أبرز الحديث الشريف الذي رواه أحمد وأصحاب السنن، وفيه إشادة بتخصصات عدد من الصحابة الكرام:
أبو بكر رضي الله عنه رمز الرحمة.
عمر رضي الله عنه أشدهم في أمر الله.
عثمان رضي الله عنه أصدقهم حياء.
زيد بن ثابت رضي الله عنه أفرَضهم (أعلمهم بالفرائض).
أبيّ بن كعب رضي الله عنه أقرؤهم لكتاب الله.
معاذ بن جبل رضي الله عنه أعلمهم بالحلال والحرام.
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين الأمة.
ويُظهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوجه الناس لمعرفة مواطن القوة والتخصصات بين أصحابه، حتى يرجعوا إليهم عند الحاجة.
شمولية التوجيه القرآني
أكدت الفتوى أن قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ يفتح المجال أمام الناس للاستفادة من جميع أهل الخبرة في حياتهم؛ فالمريض يسأل الطبيب، والمزارع يستعين بالخبير الزراعي، والطالب يرجع إلى أستاذه المتخصص، كما يسأل المسلم في شؤون دينه العلماء والفقهاء.
وهذا التوجيه القرآني يؤسس لمبدأ حضاري قائم على تقسيم التخصصات وتوزيع الأدوار، بحيث يقوم كل فرد بدوره في خدمة المجتمع على الوجه الأكمل.
خلصت دار الإفتاء إلى أن "أهل الذكر" لا يقتصرون على علماء الدين وحدهم، بل يشملون كلَّ متخصص في مجاله، وأن الآية الكريمة تُرشد الناس إلى منهجية علمية قائمة على الرجوع لأهل الخبرة عند الجهل، وعدم الاعتماد على غير المتخصصين. كما أكدت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جسّد هذا المبدأ في حياته العملية، فكان يستشير أصحابه ويثني على علم كل واحد منهم في تخصصه.
وبذلك فإن الآية الكريمة تعد قاعدة عامة صالحة لبناء مجتمع علمي متكامل، قائم على احترام الخبرات وتقدير التخصصات.