عاجل

في ظل التوسع الكبير في أعداد صانعي المحتوى على المنصات الرقمية، وما صاحب ذلك من تأثير متزايد لهؤلاء الأفراد على الوعي المجتمعي، خصوصًا بين فئتي الشباب والأطفال، كثّفت وزارة الداخلية من جهودها لضبط هذه الظاهرة ضمن إطار قانوني وتنظيمي يهدف إلى حماية الأمن القومي القيمي والاجتماعي.

ورغم أن صناعة المحتوى تعد من مساحات التعبير والإبداع وحرية الرأي، فإن تجاوز العديد من صانعي المحتوى للضوابط الأخلاقية والقانونية، ونشرهم لمحتوى يتعارض مع القيم المجتمعية، دفع أجهزة الدولة إلى التدخل الحاسم. فقد سُجلت في الآونة الأخيرة سلوكيات رقمية غير منضبطة تروّج لأفكار مبتذلة أو مغلوطة، وتصل أحيانًا إلى حد التحريض على العنف أو التربح غير المشروع أو حتى خداع الجمهور لأغراض تجارية.

وفي هذا الإطار، اعتمدت الدولة على تطبيق مواد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، حيث تنص المادة 25 منه على معاقبة من ينتهك القيم الأسرية عبر وسائل النشر الإلكتروني بالحبس والغرامة، فيما تُجرم المادة 27 إنشاء أو إدارة مواقع إلكترونية بقصد ارتكاب جرائم، وتُعاقب عليها بالسجن والغرامات المالية الكبيرة. كما تُجرّم المادة 102 نشر الشائعات التي تهدد الأمن العام، إلى جانب المادة 98 (و) التي تجرم استغلال الدين في نشر أفكار متطرفة.

وقد فُعل دور النيابة العامة للتحقيق في تلك القضايا، بالتوازي مع جهود وزارة الداخلية التي أنشأت وحدات متخصصة لرصد وتتبع المحتويات المخالفة على المنصات الرقمية. وتقوم هذه الأجهزة بإعداد تقارير موثقة تُحال إلى الجهات القضائية المختصة. وقد أثبتت هذه الآلية فاعليتها في ردع عدد كبير من المخالفين.

وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الداخلية في 2 أغسطس الجاري عن ضبط عدد من صانعي المحتوى المتورطين في نشر فيديوهات خادشة للحياء تمس القيم الأسرية وتستهدف المجتمع، ضمن حملة رقابية واسعة تهدف إلى حماية الذوق العام ومنع الانفلات القيمي.

وتصدر هذا الملف واجهة النقاشات الإعلامية، التي شددت على أهمية الرقابة القانونية، ليس فقط في فرض القانون، وإنما أيضًا في التوعية المجتمعية وتشجيع المحتوى الإيجابي والهادف الذي يسهم في بناء الوعي العام بدلاً من نشر الفوضى والإسفاف.

ويأتي هذا الحراك ضمن تنسيق متكامل بين أجهزة الدولة، من وزارة الداخلية والنيابة العامة، إلى وسائل الإعلام والمجتمع الأهلي، لضمان موازنة دقيقة بين حماية حرية التعبير وبين ضرورة الحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه. فوجود إطار قانوني وتنظيمي واضح لصناعة المحتوى الرقمي يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن القيمي، والارتقاء بالمحتوى المعروض في ظل تسارع أدوات النشر والتأثير.

تم نسخ الرابط