عاجل

صراع إيران وإسرائيل.. جولة ثانية تلوح بالأفق وسط استعدادت مكثفة وحسابات معقدة

إسرائيل و إيران -
إسرائيل و إيران - تعبيرية

يبدو أن فصلًا جديدًا من الصراع بين إسرائيل وإيران على وشك أن يُكتب، لا سيما أن حرب الاثني عشر يومًا بين الطرفين لم تستطع إسرائيل حسمها، فالنظام الإيراني لم يسقط، بل ثبّت جذوره في الأرض، والتف الشعب حوله بعد الضربات الإسرائيلية، والمشروع النووي لم ينهَر تمامًا رغم كل ما حاق به من أذى، لذلك من المحتمل أن تتجه إسرائيل إلى فتح معركة جديدة لاستكمال ما بدأته في يونيو.

نشوب حرب جديد محتمل

وبهذا الصدد، قال أسامة حمدي، الباحث في الشأن الإيراني وسياسات الشرق الأوسط، إن نشوب جولة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل ليس أمرًا مستبعدًا في ظل الأجواء التي تخيم على منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن الضربة الإسرائيلية في 12 يونيو لم تحقق أهدافها؛ إذ إنها لم تُسقط النظام الإيراني، ولم تُقوّض نفوذ إيران في الإقليم كقوة داعمة لمحور المقاومة “حزب الله وحماس والحوثيين”، ولم تُخرج المشروع النووي من الخدمة كاملًا، بل لحقت به أضرار محدودة يمكن إصلاحها في شهور قليلة، ولم تقضِ على القدرات الصاروخية الباليستية لإيران.

وأضاف “حمدي” خلال حديث مع “نيوزرووم” أنه طالما أن هذه الأهداف لم تحققها تل أبيب ولا واشنطن في الجولة الأولى، فمن المرجح أن يذهب الطرفان إلى جولة ثانية من الحرب مع إيران، ترغب فيها تل أبيب في إخضاع النظام الإيراني بالقوة، وتقليم أظافره، ودفعه إلى العودة لطاولة المفاوضات في موقف استسلام، والتنازل عن مشروعه النووي والباليستي، والتخلي عن محور المقاومة، ليصبح النظام الإيراني منكفئًا على ذاته.

وعن ما إذا كان الضغط الأمريكي - الإسرائيلي على لبنان لنزع سلاح حزب الله محاولة للاستفراد بإيران مستقبلًا، والحيلولة دون انخراط الحزب في الصراع حال وقوعه، أوضح الباحث في الشأن الإيراني أن مسألة نزع سلاح حزب الله تأتي استجابة للورقة الأمريكية التي قدمها المبعوث الأمريكي للبنان، توم باراك، وهي عبارة عن إملاءات أمريكية - إسرائيلية - فرنسية على حكومة لبنان، لنزع سلاح الحزب ، وإفراغ الجنوب اللبناني لصالح إسرائيل، والقضاء على التهديد الوجودي للاحتلال في جبهة الشمال، وتقليم أظافر إيران، والقضاء على نفوذها في لبنان الذي يمثله حزب الله.

وتابع “حمدي”: “للأسف، الحكومة اللبنانية لا تدرك أن نزع سلاح الحزب قد يقود إلى انقسامات داخل الجيش نفسه، وقد يعطل عمل الحكومة ويجمد عملها إذا ما طرح نواب الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) في البرلمان إعادة طرح الثقة في حكومة نواف سلام، ما يمهد لتجميد عملها، ويعجزها عن اتخاذ قرارات حتى 2026. كما أن حزب الله رافض للتخلي عن سلاحه، ما قد يقود إلى صدام بين الجيش والحزب، أو اندلاع مظاهرات من شيعة لبنان تعطل الحياة العامة في البلاد”.

الموجة الثانية قد تتسع لتشمل حزب الله والحشد الشعبي

وواصل: “رغم أن إيران لم تطلب من حزب الله أو أحد أطراف محور المقاومة مساندتها في حرب الـ12 يومًا، إلا أنه من الممكن في الموجة الثانية المتوقعة للصراع أن تتسع الحرب لتشمل فتح جبهة جنوب لبنان، وجبهة اليمن، وجبهة الحشد الشعبي في العراق، إذا ما انخرطت الولايات المتحدة مباشرة في الضربات، وقد تذهب إيران إلى تفعيل الحشد الشعبي، والقيام بشن ضربات على القواعد الأمريكية في العراق”.

وأكد “حمدي” أن حزب الله يرفض التخلي عن سلاحه كقوة مقاومة لإسرائيل، وكقوة حماية للمكون الشيعي في لبنان، الذي قد يصبح - إذا ما تم نزع السلاح - معرضًا للاضطهاد وعدم المشاركة في الحياة السياسية. كما أن زيارة علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، جاءت كرسالة قوية للحكومة اللبنانية والقوى الغربية بأن إيران لن تتخلى عن حليفها الأكبر في الإقليم (حزب الله)، وكرسالة أيضًا للمكون الشيعي في لبنان، تمثلت في تصريحات لاريجاني وزيارته لمرقد حسن نصر الله، كتأكيد على فكرة المقاومة والجهاد، وقيمة الشهادة في سبيل الوطن.

وبخصوص تحضيرات إيران للحرب، أكد “حمدي” أنها لجأت إلى تخزين المواد الغذائية والطبية بكثافة، وتأهيل الشعب الإيراني نفسيًا وإعلاميًا للمواجهة الجديدة، وترميم دفاعاتها الجوية ومنصات الصواريخ، واستيراد أنظمة دفاع جوي وطائرات حديثة من روسيا والصين، وتوثيق العلاقات مع باكستان، وعقد اتفاقية أمنية مع العراق تؤمّن بها حدودها، وتبعد قوى المعارضة الكردية - الإيرانية الرافضة للنظام عن الحدود الإيرانية حتى لا تكون خنجرًا في خاصرة الدولة الإيرانية وقت الحرب، وطرد اللاجئين الأفغان من أراضيها، خاصة ممن كانوا بإقامة غير شرعية، والقبض على شبكات الجواسيس وتفكيكها، ووضع قيود على شبكات التواصل، ومنع تصوير المعدات العسكرية ونشرها، وإعادة ضبط الحدود مع دول الجوار.

إسرائيل خسرت قدرة الموساد في إيران خلال الجولة الأولي

وذكر أن الفصل الجديد من الصراع سيكون مختلفًا، لا سيما أن عامل المفاجأة اختفى، وأن إيران حضرت للجولة الجديدة بشكل مكثف، ولاحقت مئات من عملاء الموساد واعتقلتهم، وهو ما عوّل عليه الاحتلال خلال معركة الاثني عشر يومًا بشكل كبير، سواء في عمليات اغتيال العلماء النوويين، أو إنشاء قواعد لإطلاق المسيرات في الداخل الإيراني.

ولفت إلى أن إسرائيل خسرت عملاءها واستهلكتهم خلال الجولة الأولى من الحرب، وفي الجولة الثانية سيكون من الصعوبة تحقيق اختراق كبير على غرار الجولة الأولى، لأن إيران انتبهت بقوة لهذا الأمر.

ومع ذلك، أكد أن الاختراق سيستمر بسبب عمق شبكات التجسس، واتساع الجغرافيا الإيرانية، ووجود معارضة قوية في إيران رافضة للنظام ومتعاونة مع العدو، كما أن برامج الـVPN التي يستخدمها الإيرانيون بكثافة للوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي المحجوبة في إيران، تستغلها إسرائيل على نطاق واسع في التجسس، وتسجيل بصمة الصوت، وتحديد أماكن المسؤولين والعلماء الإيرانيين، وتنفيذ اغتيالات لهم.

وعن ما إذا كانت ستشن إيران ضربة استباقية، قال: “فكرة شن إيران لضربة استباقية بدت مطروحة في الفترة الأخيرة من التيار المتشدد في إيران، الذي يتساءل: لماذا تكون إيران في موضع متلقي الضربات؟! ولماذا لا تبادر هي بالضرب طالما أن الحرب قادمة؟ كما أن إسرائيل نفسها تتحسب لهدوء التهديدات الإيرانية من الحرس الثوري، ما جعلها ترفع مستوى جاهزيتها تحسبًا لضربة إيرانية. لكن، على كل حال، فإن الحرس الثوري في إيران يرى أن الجولة المقبلة لا بد أن تتلقى فيها إسرائيل ضربات قوية تمنع تكرار موجات جديدة من الصراع، وتضع حدًا للحرب”.

وعلى غرار الحرب الأولى، لم يستبعد الباحث في الشأن الإيراني وسياسات الشرق الأوسط أن تتدخل الولايات المتحدة من جديد، ولا يستبعد أن تكون هناك مشاركة جوية من أمريكا، مؤكدًا أنه حال حدث ذلك، سيؤدي لاتساع رقعة الصراع إلى العراق باستهداف القواعد الأمريكية، وقد يدفع إيران لتلغيم الخليج ومضيق هرمز، واستهداف البحرية الأمريكية للمصالح الأمريكية.

الحرب قد تكون أطول أمدًا

وأشار إلى أن الأزمة بالنسبة لأمريكا هي: ما الذرائع وراء شن ضربات على إيران؟ وقد خرج ترامب عقب الضربة الأمريكية منتصف الليل على ثلاثة مفاعلات، مؤكدًا أن المشروع النووي تم القضاء عليه وتأخيره لسنوات، بل هاجم الاستخبارات الأمريكية التي قللت من فاعلية الضربة.

وعن مجريات الحرب المحتملة، ذكر أن إيران قد تسعى لإطالة أمد الحرب في الجولة المقبلة، استنادًا إلى أن إسرائيل لا تطيق الحروب المتكافئة طويلة الأمد التي تشل اقتصادها وتُظهر تأثير الضربات عليها، مع محدودية جغرافيتها، رغم أن ذلك قد يكون بالغ التكلفة على إيران المكشوفة سماؤها بشكل كبير، والتي قد تتضرر مصافي النفط وبنيتها التحتية.

وذكر “حمدي” أن إيران اختبرت بنجاح صاروخ “خرمشهر 5” الذي يحمل رأسًا متفجرًا يزن طنين، ومداه 12 ألف كيلومتر، ويصل إلى أوروبا، وتبلغ سرعته 16 ماخ في الفضاء، ومن الصعب إسقاطه، ما يؤكد أن الحرب الجديدة لن تكون نزهة لإسرائيل، كما أن عدوانًا جديدًا على إيران قد يعطيها المبرر للاندفاع نحو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ورفع مستوى التخصيب إلى 90%

تم نسخ الرابط