منذ عقود، يراود حلم "إسرائيل الكبرى" عقول قادة الكيان الإسرائيلي، لكنه ظل حبيس الكتب والخرائط السرية، حتى جاء نتنياهو ليخرجه إلى العلن كمن يعلن عن كنز دفين، يتحدث عن ضم أراض من مصر والأردن، وكأنها مشاع، متجاهلا أن كل ذرة رمل في هذه الأرض تحمل ذاكرة دماء وأجيال لم تعرف الهزيمة.
نتنياهو يحاول أن يغطي شروخ جبهته السياسية بهذه التصريحات، مدفوعا بأزمات داخلية خانقة: انقسامات حزبية، وضغوط دولية تتزايد يوما بعد آخر وفي كل مرة يتحدث فيها عن "إسرائيل الكبرى"، يكون كمن يلقي حجرا في بحيرة راكدة، آملا أن تصنع دوائره موجة ترفع شعبيته، ولو على حساب إشعال المنطقة، لكن مصر ليست تلك البحيرة الهادئة التي يتصورها؛ هي نهر جار منذ آلاف السنين، لا توقفه مؤامرة ولا يغير مساره حلم على ورق، و على حدودها الشرقية، يعرف القاصي والداني أن جيشها يقف راسخا ممسكا بزمام الأمور، يحمي حدودها بعيون لا تنام، وإرادة شعبية تحولت عبر التاريخ إلى سلاح لا يكسر.
منذ فجر التاريخ، كان الطريق إلى الشرق الأوسط يمر عبر القاهرة، ومن حاول تجاوزه دفع الثمن باهظا: من الهكسوس الذين دفنتهم الرمال، إلى جيوش العدوان الثلاثي التي تكسرت على صخرة الصمود، وصولا إلى السادس من أكتوبر 1973، حين تحولت قناة السويس من مانع مائي إلى جسر نصر، ومن خط بارليف إلى مقبرة أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".
التاريخ يعلم أن مصر لا تنتظر النيران حتى تقترب، بل تتحرك لإخمادها عند منبعها فعلت ذلك حين صدت الغزاة، و تفعله اليوم في دعم غزة، وفي قيادة تحركات دولية ترفض العدوان الإسرائيلي وفضح جرائمه وإذا كان نتنياهو يظن أن "إسرائيل الكبرى" خطوة على طريق الهيمنة، فإن قاموس القاهرة يترجمها إلى "المعركة الكبرى" ومصر لا تعرف أنصاف المعارك، ولا أنصاف الانتصارات، فهي حاضرة بكل قوتها، وكل تاريخها، لتقول: من يقترب من حدودنا، عليه يدفن أوهامه قبل أن يخطو.
في جغرافيا الصراع، تعرف مصر أنها ليست مجرد خط على الخريطة، بل عقدة ميزان للمنطقة كلها، هنا تصنع التحالفات، وترسم خطوط النار والسلام ومن سيناء التي ابتلعت الغزاة، إلى الدبلوماسية التي تربك خصومها على طاولة المفاوضات، تظل مصر المعيار الذي يقاس به استقرار الشرق الأوسط.
قد تتبدل الوجوه في تل أبيب، وقد تتغير التكتيكات، لكن الثابت أن مصر تملك معادلة الردع التي تجعل أي حلم توسعي مجرد وهم مؤجل نهايته فالتاريخ لا يرحم، والجغرافيا لا تخون، ومصر… لا تسمح لأحد أن يختبر صبرها، وعند لحظة الاصطدام، لن يحتاج نتنياهو إلى من يروي له ما جرى لمن سبقوه، فالمشهد سيتكرر أمام عينيه: جيش غزاة يرحل، وأرض مصر تبقى، بينما تتلاشى الأوهام في رمال سيناء