عاجل

قرار حكومة لبنان حصر السلاح بيد الدولة.. التداعيات السياسية والأمنية

جانب من الاجتماع
جانب من الاجتماع

عقد مجلس الوزراء اللبناني، في 7 آب/ أغسطس 2025، جلسة ترأسها رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، وأعلن في نهايتها موافقته على بنود الخطة الأميركية التي تتضمن تثبيت وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي جرى التوصل إليه في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وجدولًا زمنيًا لنزع سلاح حزب الله. 

ووفقًا للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقد انسحب من الجلسة قبل التصويت أربعة وزراء شيعة، منهم ممثلون عن الحزب وحركة أمل والنائب المستقل فادي مكي، بينما أعلنت قيادة الحزب أنها ستتعامل مع قرار الحكومة وكأنه غير موجود؛ وهو ما يضع الحزب في مواجهة مع الحكومة والجيش اللبناني، ويهدد بدخول لبنان مرحلة خطرة من عدم الاستقرار[1].

أولًا: الخطة الأميركية لنزع سلاح حزب الله

نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان، التي ألحقت ضررًا بالغًا بقدرات حزب الله[2]، وقياداته السياسية والأمنية والعسكرية[3]، وجدت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل الفرصة سانحة لفرض واقع جديد في لبنان. فقدّم المبعوث الأميركي توم براك، في 19 حزيران/ يونيو 2025، مقترحًا للحكومة اللبنانية خاصًا بـ "ترسيخ اتفاق وقف الأعمال العدائية" المبرم في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024[4]. وقد تضمّن حزمة من البنود السياسية والأمنية، من أبرزها نزع سلاح حزب الله، مقابل خطوات إسرائيلية تشمل الانسحاب من خمس نقاط حدودية ما زالت إسرائيل تسيطر عليها بعد انتهاء عدوانها على لبنان، ووقف الانتهاكات البرية والجوية، وترسيم الحدود، ودعم قدرات الجيش اللبناني، إلى جانب الإفراج عن أموال مخصصة لإعادة إعمار المناطق التي دمّرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة[5]. وقد اكتفت الحكومة اللبنانية، في ردها الأوّلي على المقترح الأميركي، بتقديم "أفكار للحل"، من دون الموافقة عليه، وإن عبّرت عن "التزام الدولة" باستعادة حقها الحصري في امتلاك السلاح واستخدام القوة. وهو مبدأ منصوص عليه في الدستور اللبناني، لكنها شددت، في المقابل، على أن إحراز أي تقدم إضافي في مسار نزع سلاح حزب الله يستلزم، قبل كل شيء، انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف انتهاكاتها المتكررة للسيادة الوطنية[6]. لكن الولايات المتحدة زادت من شدة الضغوط على الحكومة اللبنانية، حتى تدفعها للتجاوب مع بنود المقترح الأميركي. فأدى براك زيارتين متتاليتين إلى بيروت، في 7 و8 تموز/ يوليو[7]، ثم بعد أسبوعين، للحصول على رد من الحكومة اللبنانية. وقد برّر تكثيف زياراته بما وصفه بـ "الاهتمام الكبير" للرئيس الأميركي دونالد ترمب بتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وفي 3 آب/ أغسطس، قدّم الجانب الأميركي النسخة النهائية من الورقة المعتمدة لـ "ترسيخ اتفاق وقف الأعمال العدائية" إلى الحكومة اللبنانية، بعد سلسلة من الاتصالات والردود المتبادلة بين الجانبين. وقد شكّلت هذه الورقة تصوّرًا مفصلًا لتمديد وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، استنادًا إلى مزيج من أدوات الضغط (مثل التلويح بفرض عقوبات اقتصادية في حال عدم الالتزام)، وأدوات التحفيز (منها تقديم مساعدات اقتصادية ودعم جهود إعادة الإعمار). وتضمّنت الورقة أحد عشر هدفًا محدّدًا، شملت نزع سلاح حزب الله، وترسيم الحدود البرية مع كلٍّ من إسرائيل وسورية، ومعالجة ملف تهريب المخدرات عبر الحدود، ونشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية والمراكز الداخلية الرئيسة. ونصّت أيضًا على انسحاب إسرائيل من خمس نقاط لا تزال تحتلها في جنوب لبنان، وحلّ قضايا الحدود والأسرى عبر المسارات الدبلوماسية، وعودة النازحين إلى قراهم، وعقد مؤتمر اقتصادي دولي تشارك فيه الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ودول أخرى لدعم الاقتصاد اللبناني وتعزيز قدرات الجيش والأجهزة الأمنية[8].

وقد وضعت الورقة جدولًا زمنيًا لتنفيذ المقترح مقسّمًا إلى أربع مراحل، تراوح مدتها الإجمالية بين أسبوعين وأربعة أشهر. ويبدأ التنفيذ بموافقة الحكومة اللبنانية على الالتزام بالمذكرة، عبر مرسوم رسمي يتضمّن التعهّد بنزع سلاح حزب الله وكل الجهات المسلحة غير الحكومية بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر 2025. وفي المقابل، يلتزم الجانب الأميركي بتعزيز التعاون مع صندوق النقد الدولي، وتسهيل عمليات إعادة الإعمار، وتوفير حوافز للاستثمار في لبنان.

ومع تزايد الضغوط الأميركية، عقد مجلس الوزراء اللبناني، في 5 آب/ أغسطس 2025، جلسة خُصص جانب واسع منها لمناقشة بند "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية"[9]، في إشارة مباشرة إلى سلاح حزب الله؛ وهي المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا الملف رسميًا على طاولة الحكومة منذ اتفاق الطائف عام 1989. وقد شهدت الجلسة نقاشًا مطولًا، انسحب على إثره وزيرا الحزب وحركة أمل. عُقد الاجتماع تحت الضغط، حيث ربطت الولايات المتحدة استمرار جهودها للتهدئة على الجبهة الجنوبية بصدور موقف لبناني واضح بشأن سلاح الحزب، ملوّحة بتجميد وساطتها في حال تعثر المسار السياسي. وفي ختام الجلسة، أكد رئيس الحكومة، نواف سلام، أن خطاب القسم والبيان الوزاري شددا على "حق الدولة الحصري في احتكار السلاح"، معلنًا أن مجلس الوزراء قرر استكمال مناقشة الورقة الأميركية في جلسته التالية، يوم 7 آب/ أغسطس، وتكليف الجيش بإعداد خطة تنفيذية لحصر السلاح قبل نهاية العام، على أن تُعرض على الحكومة نهاية الشهر لمناقشتها وإقرارها. وقد صدّقت الحكومة في جلسة يوم 7 آب/ أغسطس على بنود الورقة الأميركية.

ثانيًا: رد حزب الله

لم ينتظر حزب الله انعقاد جلسة 7 آب/ أغسطس، ليعلن رفضه لما جاء فيها. ففي 5 آب/ أغسطس، أعلن الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، رفضه تحديد ما وصفه بجدول زمني تحت "سقف الاحتلال"، وأكد أن "المقاومة جزء من دستور الطائف"، مشددًا على أن مسألة السلاح "لا تُناقش بالتصويت"[10]. أما قرار الحكومة اللبنانية تكليف الجيش بإعداد خطة لحصر السلاح في البلاد قبل نهاية العام، فقد وصفه الحزب بـ "الخطيئة الكبرى" لما ينطوي عليه من تجريد لبنان من سلاح "مقاومة العدوان الإسرائيلي – الأميركي"، وتحقيق ما عجزت إسرائيل عن بلوغه عبر اعتداءاتها على لبنان. واعتبر الحزب أن القرار يشكّل مخالفة ميثاقية واضحة وانتهاكًا للبيان الوزاري للحكومة[11]. وبناء على ذلك، أعلن الحزب وحليفته حركة أمل أنهما "سيتعاملان مع القرار كما لو أنه غير موجود"، متهمين الحكومة بخدمة "الإملاءات الأميركية". ومع ذلك، أكد الحزب انفتاحه على الحوار واستعداده لمناقشة استراتيجية الأمن الوطني، بينما وصفت كتلته البرلمانية تبنّي رئيس الحكومة للورقة الأميركية بأنه "انقلاب على تعهدات التزم بها في البيان الوزاري"، معتبرةً أن "التسرع المريب" في تلبية مطالب واشنطن يشكّل مخالفة ميثاقية ويخلّ باتفاق الطائف.

وقد دفع قرار الحكومة إلى تحركات ميدانية لأنصار حزب الله، لكنها ظلت سلمية ومحدودة، خلافًا لما حصل حينما اصطدم الحزب بالحكومة في أيار/ مايو 2008. فنظّم أنصاره مسيرات ليلية بالدراجات النارية رفضًا لـ "تسليم سلاح المقاومة"، تركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت وبعض أحياء العاصمة الأخرى. وردّ الجيش اللبناني ببيان أكد فيه أنه "لن يسمح بأي إخلال بالأمن، أو مساس بالسلم الأهلي، أو قطع الطرقات، أو التعدي على الأملاك العامة والخاصة"، داعيًا جميع المواطنين والقوى السياسية إلى التحلي بالمسؤولية في هذه المرحلة الدقيقة[12].

ثالثًا: خيارات الحكومة وحزب الله

يمهّد الضغط الأميركي، الهادف إلى تسريع مسار نزع سلاح حزب الله، الطريق لسيناريو حرصت الحكومة اللبنانية طويلًا على تجنبه؛ وهو الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع الحزب، ووضع الجيش في مواجهة داخلية، عواقبها خطيرة على أمن لبنان واستقراره. لكنّ عدم التزام الحكومة بتنفيذ تعهداتها من جهة أخرى سوف يضعها في مواجهة مع واشنطن، وقد يستدعي تصعيدًا إسرائيليًا كبيرًا ضد لبنان. ويبدو أن الحكومة اللبنانية حسمت موقفها، عبر تكليف الجيش بإعداد خطة إجرائية وتنفيذية حتى نهاية عام 2025 لحصر السلاح بيد الدولة. ومع الضغط الأميركي، فمن المستبعد أن تحاول الحكومة التراجع عن هذه الخطوة، خاصة في أثناء توافق القوى الدولية الأساسية (الولايات المتحدة، والسعودية، والاتحاد الأوروبي) على مبدأ احتكار الدولة اللبنانية للسلاح. وهذا يعني أن الحكومة حسمت أمرها في هذا الاتجاه ولم يعد السؤال متعلقًا بموقفها، بل بكيفية تنفيذ القرار وطريقة تعامل حزب الله، الباقي في الحكومة معه، وإن كان سيقبل المضي في هذا المسار أو سيسعى لتعطيله، وما سيفعله الحزب إن وجد نفسه محاصرًا: أيضطر إلى تسليم ما تبقى من ترسانته، أم سوف يدافع عنها؟ وتقوم المقاربة الأميركية على اعتبار أن الآلية الأفضل، التي يمكن من خلالها تنفيذ نزع سلاح الحزب على نحو فعّال، تكون بوساطة الجيش اللبناني؛ لكونه "الوسيط الأفضل والمحايد والموثوق"، وإن كان يواجه نقصًا حادًا في التمويل بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان[13].

وقبل صدور ردّ الحكومة الرسمي على الاقتراح الأميركي في 7 آب/ أغسطس، اعتمد حزب الله نهجًا يقوم على التعاون المحدود في ملف نزع السلاح، خاصة في مناطق جنوب الليطاني، من أجل احتواء الضغط الدولي وكسب الوقت للتعافي تدريجيًا والحفاظ عمدًا على الغموض بشأن مستقبل ترسانته. وكرر أمينه العام موقف الحزب التقليدي الذي يربط قضية السلاح بالحوار الوطني حول استراتيجية لبنان الدفاعية[14]. لكن قرار الحكومة اللبنانية الذي يتضمن حصر السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع تصوّر لكيفية تنفيذ ذلك بحلول نهاية العام، أغلق باب المناورة أمام الحزب، ووضعه في مواجهة مع الحكومة، بدأ التعبير عنها بمزيج من التصعيد الشعبي المحسوب والمواقف السياسية المباشرة. وقد يجد الحزب نفسه أمام خيارات متباينة، تبدأ من التصعيد الميداني وتحريك الشارع لمنع ظهور أي توافق وطني - وهو مسار باشره بالفعل عبر تنظيم مسيرات بالدراجات النارية - وصولًا إلى تحركات ميدانية أوسع قد تتحوّل إلى احتجاجات شعبية كبرى؛ وهو أمر يظل مرتبطًا بمدى استجابة قاعدته الشعبية. وقد يلجأ الحزب أيضًا، بدعم من حلفائه، إلى تعطيل عمل الحكومة، إن امتلك الكتلة السياسية اللازمة، لكن هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا، مع تشكّل إجماعٍ لبناني، خارج إطار الثنائي الشيعي، على موضوع حصر السلاح بيد الدولة. ويتخوّف كثيرون من أنّ "حشر حزب الله في الزاوية" قد يدفعه إلى تكرار سيناريو 7 أيار/ مايو 2008، حينما اندلعت مواجهات مسلحة في بيروت ومناطق أخرى ردًا على قرارات حكومية استهدفته، أبرزها تفكيك شبكة اتصالاته. إلا أن قدرة الحزب على تكرار ذلك اليوم باتت أضعف؛ بفعل تراجع أوراق قوته السياسية والأمنية، فضلًا عن أن أي تصعيد جديد قد لا يجد الغطاء السياسي الذي يترجمه، كما حدث مع اتفاق الدوحة عام 2008، سوف يضعه بالتأكيد في صدام مع الجيش اللبناني.

في كل الأحوال، يبدو حزب الله، ولبنان كله، أمام استحقاق قد يكون الأصعب منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وعلى الرغم من أن قرار الحكومة يعكس في توقيته استجابةً للضغط الأميركي ومحاولةً لتجنب العزلة السياسية والدبلوماسية، فإن منح مهلة حتى نهاية عام 2025، والاكتفاء بإقرار أهداف الورقة الأميركية من دون مناقشة بقية آلياتها، يعكسان رغبة السلطات اللبنانية في تفادي الصدام مع الحزب ودرء أزمة ثقة مع الطائفة الشيعية. ويفتح ذلك نافذة أمام الحزب للتأقلم مع القرار أو السعي للتأثير في مساره ومضامينه، بما يتوافق مع التحولات المحتملة التي قد تفرزها التطورات الإقليمية، في وضع يتّسم بالهشاشة الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة.

خاتمة

يشكّل تبنّي المطلب الأميركي بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية مسألة بالغة الخطورة على أمن لبنان واستقراره، بل قد يدفع البلد نحو حرب أهلية؛ إذ قد يضع الجيش اللبناني في مواجهة مع حزب الله، إذا ما نُفذ قرار حصر السلاح بيد الدولة من دون التوصل إلى تفاهمات مع الحزب. وهو أمر يجب أن تسعى الحكومة والحزب للتفاهم بشأنه بأي ثمن، لتفويت الفرصة على إسرائيل الساعية لضرب القوى اللبنانية بعضها ببعض. ومع ضرورة الإقرار بأن الحزب تلقى ضربة مؤلمة، عطلت قدرته على مواجهة إسرائيل، فإن من الخطأ أن تعتقد بعض القوى السياسية اللبنانية أن انتصار إسرائيل هو انتصار لها؛ فهذا آخر ما يحتاج إليه لبنان، الذي لا يجوز أن يفرض أي طرف من القوى السياسية والاجتماعية فيه قواعد الصراع مع إسرائيل على العلاقات داخله.

تم نسخ الرابط