عاجل

استقطابات القوقاز: ما الجغرافيا المتأثرة باتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان؟

جانب من توقيع اتفاق
جانب من توقيع اتفاق السلام

في 8 أغسطس الجاري 2025، وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، على اتفاق سلام بين البلدين لإنهاء عقود من الصراع الدموي وكذلك الجمود السياسي بسبب التنازع على إقليم “قره باغ” والمناطق المحيطة به، وتم توقيع الاتفاق بمقر البيت الأبيض وبرعاية أمريكية، وبموجبه تم الإعلان عن أن “البلدين اتفقا على الالتزام بوقف القتال للأبد، وسيعملان على فتح المجال أمام العلاقات الدبلوماسية والتجارية واحترام سيادتهما”.

ووفقًا لمركز رع للدراسات السياسية والاستراتيجية، هذه المصالحة يبدو أنها ليست وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة مسار طويل من المواجهات المسلحة، والهدن المؤقتة، والوساطات الإقليمية والدولية التي فشلت في إيجاد حل دائم. وكان آخر ما تم التوصل إليه في ملف العلاقات بين البلدين، إعلانهما في مارس الماضي عن الاتفاق على “نص مسودة اتفاق سلام”. وها قد تم الاتفاق الفعلي هذه المرة وبوساطة أمريكية.

لذا فإن هذه الاتفاق يمثل نقطة تحوّل لا في مسار الصراع الثنائي فحسب، بل في المشهد الاستراتيجي الأوسع لمنطقة القوقاز، حيث تعدد الفواعل وتقاطع المصالح الجيوسياسية مع ممرات الطاقة وخطوط التجارة، ومستقبل الربط بين آسيا وأوروبا.

 

ولفهم دلالات هذا الاتفاق وتأثيره الإقليمي، سنتطرق بإيجاز إلى الخلفية التاريخية للصراع بين أرمينيا وأذربيجان، ومراحله (الاندلاع، الجمود، والتجدد، وصولاً إلى اتفاق السلام الأخير)، وأهمية البُعد الجغرافي في العلاقات بينهما وتأثيره الواضح على القوى الإقليمية المعنية، ومنطقة القوقاز بشكل عام.

 

الخلفية التاريخية للصراع:

 

تُعد منطقة “جنوب القوقاز” والتي تضم أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، من المناطق الجيواستراتيجة الهامة ذات التأثير الواضح في الترتيبات الأمنية والسياسية والاقتصادية في الإقليم، ويقف إقليم (ناغورني قره باغ)، في قلب واحدة من أعقد الصراعات بين (أرمينيا وأذربيجان)، إذ أنه رغم وقوعه داخل الحدود المعترف بها دولياً لأذربيجان، إلا أنه كان تاريخياً ذا أغلبية سكانية من الآرمن، ما جعل هويته السياسية محل تنازع منذ الحقبة القيصرية الروسية، ولقد تم ضم هذا الإقليم هو ومساحات شاسعة من جنوب القوقاز أيضاً إلي روسيا القيصرية بموجب معاهدة (تركمانشاي) مع إمبراطورية فارس.

 

وعندما تشكل الاتحاد السوفيتي، جاء قرار ستالين عام 1923 ليضم إقليم “قره باغ” إلى جمهورية أذربيجان السوفيتية، مع منحه حكماً ذاتياً، ما جعلها خطوة بالنسبة للآرمن عنواناً للظلم التاريخي. ثم مع انهيار الاتحاد السوفيتي، صوّت المجلس المحلي في “قره باغ” لصالح الانضمام إلى أرمينيا، لتشتعل شرارة الحرب الأولى بين باكو ويريفان (1988–1994). انتهت الحرب بسيطرة أرمينيا ليس فقط على إقليم “قره باغ”، بل أيضاً على سبع مقاطعات أذرية مجاورة، ما شكّل طوقاً أمنياً واسعاً حول الإقليم. هذه النتيجة خلّفت وراءها مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين من الجانبين، ورسّخت صراعاً مجمداً برعاية هدنة روسية هشّة، في ظل غياب أية تسوية نهائية.

 

تجدد الصراع وإعادة تشكّل التوازنات:

 

استمر جمود الصراع بين أرمينيا وأذربيجان طوال الربع قرن الماضي إلى أن اندلعت اشتباكات متفرقة عام 2016 عُرفت “حرب الأيام الأربعة” والتي كشفت أن الصراع يمكن أن ينفجر مجدداً في أية لحظة. وهذا ما حدث بالفعل في سبتمبر 2020، حين اندلعت الحرب الثانية على نطاق واسع. هذه المرة كانت موازين القوى قد تغيرت، حيث تلقت أذربيجان دعماً عسكرياً وتكنولوجياً كبيراً من تركيا، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة، ما مكنها من اختراق الدفاعات الأرمينية واستعادة مساحات واسعة من الأراضي التي فقدتها في التسعينيات.

 

وفي نوفمبر 2020 رعت موسكو اتفاق وقف إطلاق النار والقتال بين الجانبين، لكن تم ترسيخ واقع جديد في جنوب القوقاز وهو تقلص النفوذ الآرميني وتعزيز الدور التركي، الأمر الذي أثار قلق الجارة إيران أيضاً بشكل واضح، إذ وجدت نفسها أمام محور تركي–أذري على مقربة مباشرة من حدودها الشمالية الغربية، فضلاً عن العلاقات الأذرية الإسرائيلية التي تؤرق طهران مؤخراً.

 

منذ ذلك الحين، دخلت منطقة جنوب القوقاز مرحلة إعادة تشكيل التوازنات، لا سيما أيضاً مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ عام 2022 والتي أضعفت قدرة موسكو على الإمساك بملف القوقاز كما كان سابقاً، وفتحت الباب أمام تدخلات أوروبية وأمريكية أكبر، فيما بدأ الموقف السياسي في أرمينيا يميل نحو القبول بواقع مؤلم، بعدما اتضح أن الاعتماد على موسكو كضامن أمني لم يعد الخيار الأمثل طوال الوقت. في المقابل، دخلت أذربيجان المفاوضات من موقع قوة، بعدما أحكمت سيطرتها الفعلية على معظم “قره باغ” بحلول 2023–2024.

 

اتفاق سلام أغسطس 2025:

 

جاء أغسطس 2025 ليشهد توقيع اتفاق سلام شامل بين جمهورية أرمينيا وجمهورية أذربيجان، برعاية أمريكية في المقام الأول، ولقد نص الاتفاق على ترسيم نهائي للحدود بين البلدين، وفتح طرق النقل بما فيها ترتيبات خاصة لممر “زنغزور” تحت إشراف وضمانات دولية، وإطلاق برامج لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار. وبهذا، يمكن القول إن اتفاق أغسطس 2025 لم يكن مجرد تسوية لنزاع إقليمي، بل محطة فاصلة في إعادة رسم الجغرافيا السياسية لجنوب القوقاز، بترتيبات تعكس ميزان القوى الجديد بعد حرب 2020 بين يريفان وباكو، وتفتح مرحلة قد تحمل لأطراف إقليمية عدة وعلى رأسهم إيران، تحديات بنيوية على المستويين الأمني والاقتصادي.

 

التأثيرات المحتملة للاتفاق:

 

(*) الجانب الإيراني: من وجهة النظر الإيرانية، فإن الاتفاق يحمل في طياته مخاطر استراتيجية عدة، إذ يعني تعزيز نفوذ المحور التركي– الأذري في منطقة القوقاز، وفقدان طهران لجزء من أوراق الضغط التي طالما استخدمتها في هذه المنطقة، فضلاً عن اقتراب النفوذ الغربي أكثر من حدودها الشمالية. كما أن طهران التي لطالما استفادت من إغلاق الحدود بين باكو ويريفان لتكون ممراً تجارياً رئيسياً، وجدت نفسها مهددة بفقدان هذه الورقة مع تصاعد الحديث عن فتح ممر “زنغزور” الذي سيربط أذربيجان بإقليم “ناخجيفان” عبر أراضي أرمينيا بدعم تركي، ما سيقلص أهمية الأراضي الإيرانية كممر بري بين القوقاز والعالم الخارجي. هذا المشروع كان أحد خطوط التماس السياسية الحادة بين إيران وأذربيجان، وجعل الأولى أكثر حساسية تجاه أي تسوية لا تراعي مصالحها.

 

 

لذا، فإن منظور طهران تجاه الاتفاق هذا الاتفاق يمتلئ بمزيج من القلق العملي والقلق الرمزي:

 

(-) عملياً: فإن فتح ممر برّي فعال يربط العاصمة الأذرية باكو ب إقليم “ناخجيفان” عبر أراضٍ أرمينية، يقلص بوضوح دور إيران كممر احتياطي أو “قناة” لربط جنوب القوقاز بالعالم الخارجي، وبالتالي يخصم من نفوذها الاقتصادي والقدرة على أية هيمنة سياسية منخفضة التكلفة عبر التحكم في خطوط النقل، وهذا يضعف قدرتها على استثمار موقعها الجغرافي كـممر إقليمي فضلاً عن أنه يقلّص حصتها من رسوم مرور الشحن وربما إيرادات نقاط الربط. وهذا لا يعني أن إيران ستتحول إلى طرف عاجز فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ؛ لكن الفارق أن الورقة الجغرافية التي كانت تستخدمها طهران للضغط التجاري والدبلوماسي تتآكل تدريجياً طالما أن الممر يعمل تحت إدارة أو إشراف خارجي يمكن أن يستبعد أو يقلل دور الدور الإيراني.

 

(-) رمزياً: فإن الاتفاق يضع مشروعاً مدعوماً أمريكياً وتركياً على بُعد أمتار من الحدود الإيرانية، وهو ما تراه الأجهزة الأمنية في طهران تهديداً لعمقها الإستراتيجي، لذلك جاءت ردود فعل طهران فورية، واتسمت بالرفض والتحذير، حيث قد يصاحب هذا الاتفاق تغيُّر في خريطة النقل والطاقة بالمنطقة، والتخوف من عزلة استراتيجية في الشمال، وذلك لأن الممر المذكور في الاتفاق يربط خطوط الطاقة والسكك والأنابيب المحتملة باتجاه تركيا ثم أوروبا، ما يعزز قدرة باكو وأنقرة على تقديم بدائل لسياسات الطاقة الموجودة، وقد يستلزم هذا الممر إجراءات أمنية مثل (حماية خطوط السكك /الطرق) ما قد يؤدي إلى وجود شركات أمنية خارجية أو حتى تواجد قوى مقنّعة، وهو الأمر الذي تراه إيران تهديداً أمنياً واضحاً لها، إذا لم توجد له ضمانات.

 

وعلى الرغم من المخاطر التي ستعود على طهران جراء هذا الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان، وبالنظر إلى الوضع الراهن المحيط بطهران إقليمياً ودولياً، فإن الأداة الواقعية المتاحة أمامها للتعامل مع هذه المستجدات هي خليط من خطوات دبلوماسية واقتصادية وسياسية بشكل مكّثف وبدرجات متفاوتة في الإعلان والتطبيق، كإطلاق دورة دبلوماسية مضادة مع يريفان وباكو لطلب ضمانات سيادية واشتراطات تشغيلية للممر الواقع في الاتفاق بينهما، وكذلك التسريع في تحسين بنيتها التحتية لاقتطاع جزء من أسواق الترانزيت، وأيضاً استغلال شبكات النفوذ الاجتماعي والسياسي داخلياً (الأقليات الأذرية في الداخل الإيراني) كوسائل ضغط احتياطية في حال انقلبت الأمور نحو إجراءات ميدانية أو دعم مجموعات ضغط على الأرض.

 

وبالتالي، إذا نجحت طهران في التكيف الاقتصادي والدبلوماسي بسرعة، فستبقى التداعيات لهذا الاتفاق مُدارة ومحدودة نسبياً، خاصة أن طهران تجيد التعامل مع سياسة العزلة إلى حد ما.

 

(*) الجانب الروسي: لروسيا وقعان في مشهد هذا الاتفاق، هما:

 

(-) من جهة، الفعل الدبلوماسي الأمريكي وظهور دور واضح وعلني لواشنطن في تسوية الصراع يمثل انتكاسة لفرضية القوقاز كـ “ساحة نفوذ روسية تقليدية”، لاسيما أن موسكو فقدت جزءاً كبيراً من حرية الحركة الاستراتيجية في أعقاب انخراطها الطويل في حربها ضد أوكرانيا، حيث أن الهدنة التي أنهت حرب 2020 بين أرمينيا وأذربيجان، كانت برعاية موسكو، وهو ما أعطى روسيا حينها موقع الوسيط المهيمن في القوقاز، مستندة إلى قوات حفظ سلام انتشرت في إقليم “قره باغ”. لكن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وانشغال روسيا بمعركتها هناك، تآكل هذا النفوذ تدريجياً. ثم جاء اتفاق أغسطس 2025 ليمثل ضربة إضافية لهذا الدور، حيث تم التوصل إليه برعاية أمريكية – أوروبية واضحة، مع حضور روسي رمزي فقط.

 

(-) من جهة ثانية، فإن رد فعل الكرملين كان دبلوماسياً محافظاً، حيث الترحيب الظاهري بالاتفاق مع تحذير من مخاطر التدخل الأجنبي في المنطقة، يعكس رغبة في تجنّب مواجهة مباشرة مع واشنطن، وفي الوقت نفسه إشارة إلى أن روسيا لن تتخلى بسهولة عن أدواتها، سواء عبر ترتيبات أمنية ثنائية مع أرمينيا، أو عبر صفقات تسليحية واقتصادية مع أذربيجان، للحفاظ على هامش تأثير حتى لو أصبح نسبياً.

 

وبالتالي، فإن موسكو فقدت مبادرة السيادة على ملف التسوية، وانتقلت من موقع “الوسيط الفاعل الوحيد” إلى “لاعب واحد بين عدة لاعبين إقليميين ودوليين”، وهذا الانحدار لا يعني اختفاء النفوذ الروسي بشكل فوري، بل قد يمكن اعتباره فترة انتقالية تحاول فيها موسكو الحفاظ على مواقع لا تزال لها قيمة مثل: (التعاون الأمني مع أرمينيا، عقود الطاقة، ومنافذ اقتصادية بديلة). ويمكن القول أيضاً أنه في حال فشل الغرب وتركيا في تقديم بدائل اقتصادية مستدامة في القوقاز، قد تتمكن روسيا من استعادة الدور الأكثر تأثيراً، عبر عروض أمنية أو تخفيضات طاقية؛ أما إذا انخرطت واشنطن وأنقرة بعمق اقتصادي وسياسي في المنطقة، فسيرتد ذلك إلى تقليص دائم لنفوذ الكرملين في دول القوقاز.

 

(*) الجانب التركي: يبدو أن تركيا هي الطرف الأكثر انتفاعاً من اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، حيث قد يمثل بالنسبة لها ما يشبه نصراً استراتيجياً يتحول لاحقاً إلى قدرة عملية لربط أراضيها مباشرة بشبكات النقل والطاقة العابرة لمنطقة القوقاز، وهو امتداد لسياساتها الخارجية في العقد الأخير التي تهدف لإعادة بلورة وجود أنقرة في محيطها الإقليمي وخاصة أذربيجان كـ (شقيق أقوى وشريك استراتيجي). وبموجب الاتفاق هذا، فإن إتاحة ممر فعال يربط أذربيجان بإقليم “ناخجيفان” ويعبر الأراضي الأرمنية تحت ضمانات دولية تمنح الجانب التركي منفعة مزدوجة مثل: زيادة إمكانات الربط التجاري مع آسيا الوسطى وأوروبا عبر خطوط أقصر، وفرصة لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي في العاصمة الآرمينية يريفان، عن طريق مشاريع استثمارية أو شراكات اقتصادية تفكك عزلة أرمينيا التقليدية.

 

 

لكن على الجانب الآخر قد يكون هناك مخاطر محتملة مثل: الإفراط في الضغط للحصول على مكاسب جيوبوليتيكية قد يثير مقاومة محلية داخل أرمينيا، ويعقّد العلاقات مع روسيا وإيران. لذلك فإنه من المرّجح أن تفكير تركيا العملي سيكون مزيجاً من استثمار بنيوي خاصة في (الطرق، والطاقة) و(اللعب السياسي الحذر) الذي يحافظ على مرونة التحالفات. ومن هُنا، فإن نجاح تركيا في إدارة هذا النفوذ يعني تكريس موقع جديد لها كـقوة إقليمية حقيقية تربط البحر المتوسط بآسيا الوسطى، لكن إخفاقها أو إظهار نوايا هيمنة صارخة قد يُشعل ردود فعل روسية أو إيرانية مضادة أو يفجر قلاقل محلية أرمينية.

 

انعكاسات محتملة على القوقاز:

 

النتيجة الأوضح لهذا الاتفاق على مستوى القوقاز حتى الآن هي، إعادة توازن سريع ومحتمل لتقاسم النفوذ بين العديد من الأطراف، حيث نري الولايات المتحدة وأوروبا تظهران الآن كلاعبين فاعلين في ملفات هامة كانت ذات يوم من نصيب روسيا حصرياً، أما تركيا فسيتضخم نفوذها في المنطقة عبر شريك قوي (أذربيجان)، بينما إيران تُواجه احتمال فقدان دور شريطي مهم على خريطة النقل الإقليمي. هذا التوزيع يجعل منطقة القوقاز ساحة متعددة الأقطاب بدرجة أكبر من أي وقت مضى، والفاعلية في هذه الساحة تعتمد على المزج بين العوامل الاقتصادية مثل (الاستثمارات، العقود طويلة الأمد)، والقوة السياسية مثل (التحالفات الحكومية)، والقدرات الأمنية مثل (وجود أو غياب آليات لحماية خطوط الممر)، وجميعها عوامل تناسب المدى القصير، حيث يمكن أن يتحول الاتفاق إلى مصدر استقرار تجاري نسبي.

 

لكن في المدى المتوسط قد يصبح مصدراً للتنافس بين القوى الكبرى عن طريق (حزم استثمارية) و(غطاء دبلوماسي غربي) من جهة؛ ومن جهة أخرى محاولات روسية وإيرانية للحفاظ على (أوراق ضغط) تخدم مصالحهما ونفوذهما. لذلك مؤشر المفاضلة بين الاستقرار أو التنافس، سيكون مدى قدرة الاتفاق على توفير ضمانات سيادية لأرمينيا (بأن يظل جزء من سيادة يريفان محفوظاً فعلاً) وإشراك إيران وروسيا حتى كـ(شركاء مراقبين) بما يقلل إغراء استخدام أدوات الضغط.

 

وختاماً، فإن المشهد بين أرمينيا وأذربيجان بعد اتفاق سلام أغسطس 2025 بل وفي منطقة القوقاز بأكملها يُعد مشهد سيولة استراتيجية، حيث تتغير التحالفات وأولويات الفواعل بسرعة، وحيث باتت الممرات الاقتصادية تتحول إلى أدوات ضغط ونفوذ سياسي. ورغم أن الاتفاق الحالي يمثل خطوة نحو التهدئة في صراع امتد عقوداً من الزمن، إلا أنه لا يلغي جذور التوتر ولا يضمن استقراراً دائماً، بل يفتح مرحلة جديدة من المنافسة الإقليمية التي قد تتطور في أية لحظة نحو تعاون متبادل أو صدام جديد. ولعل الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من هذا الوضع الحالي هو أن جنوب القوقاز بما يحمله من أهمية جغرافية وموارد طاقة وموقع مفصلي بين آسيا وأوروبا، سيظل بؤرة اختبار لقدرة القوى الكبرى على صياغة نظام إقليمي مستقر أو الفشل في ذلك، ولهذا فإن التساؤل القادم في الأوساط السياسية بخصوص هذا الملف، من المرجح أن يكون “هل اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان 2025 بداية عصر جديد من التعاون، أم مجرد هدنة أخرى في صراع طويل الأمد؟”

تم نسخ الرابط