في طريقي الوظيفي والحياتي، التقيت بكافة أنواع البشر، وبالطبع كان لكل من التقيت بهم بصمة وتأثير في حياتي. لكنني توقفت كثيرًا عند أحدهم، وكان من الصاعدين في سلم الإعلام والميديا، لأنه كان صاحب مبدأ "أول الموافقين وآخر المعارضين". ومن ملامح هذا المبدأ الظاهرة أن أصحابه يتميزون باللسان الحسن والضحكة الدائمة، وأنهم يسارعون في التقرب إلى أصحاب القرار، وبخاصة الأعلى درجات، ولاسيما المديرين والرؤساء.
صديقنا ذاك كان إذا ذكر اسم المدير، تبارى في إظهار ما طاب من هذا المدير أو الرئيس، والذي قد لا يتفق عليه المعظم إلا هذا الصديق والتابعون له، والماضون على نهجه وطريقه. ومن صفات أصحاب مبدأ "لا تتقدم صفوف المعارضين" أنهم يعتبرونها مليئة بالمخاطر، ويظلون دائمًا مع الموافقين، فإن طريقهم، مهما كانت عثراته، آمن بخلاف الآخرين، حيث يعتبرون أن طريقهم هالك.
من صفات هؤلاء الأشخاص عدم الشكوى من الرئيس أبدًا، مهما ظهرت عيوبه، وامتلأ المكان برائحة فساده، لأنهم يخافون من عواقب الشكوى والرفض وعدم الامتثال لما عليه الحال. فهم يرون ويؤمنون بمبدأ "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفهوش".
أصحاب طريقة "أول الموافقين وآخر المعارضين" هم فتية آمنوا بطريقتهم، وزادهم الشيطان وتطلعاتهم إذعانًا للواقع. فتراهم يغضون أبصارهم عن كل ما هو ظاهر للعيان بأنه خطأ، وربما يرتقي إلى منزلة الحرام. وتراهم أيضًا يصمون آذانهم عن كل ما من شأنه أن يسيء إلى القيادة الموجودة في مكان عملهم، بل ويعلنونها صراحة بأنهم ليس معهم، وأنهم فتية مسالمون يبتغون الترقي في المكان وليس التشعب والتقهقر إلى الوراء.
إذا نظرت إلى أصحاب مبدأ "أول الموافقين وآخر المعارضين"، تعجبك أقوالهم وأجسادهم، وإذا خلوا إلى أنفسهم، يسألون: هل من مزيد من النفاق والرياء كي نحقق ما نحلم به ونسعى إليه. هذه الفئة تجدها دائمًا نشيطة جدًا في المناسبات والأعياد والمواقف الرسمية، فهم أول المهنئين في الأفراح، وأول المعزين في الأحزان لرؤسائهم ومديريهم بالطبع في الدرجة الأولى، ولمن يهمهم الأمر في الدرجات المتتالية.
من سماتهم أيضًا أنهم لا يتركون موقفًا ولا مناسبة تخص الكبار من مكان عملهم إلا وأشادوا بها وتغزلوا فيها في مكان العمل وعلى صفحات التواصل الاجتماعي والميديا كافة إن أمكنهم ذلك. أصحاب الطريقة التي نتحدث عنها لا يعنيهم بصورة أو بأخرى من سيجلس على كرسي الإدارة والمكانة، ومن سيتركه، فهم أصحاب مبدأ "عاش الملك، مات الملك". فهم يصفقون لمن جاء، ولا يترحمون على من مضى؛ لا يعنيهم بمثقال ذرة ماذا تأتي به الأحداث وما يفعله الأشخاص، لأن لديهم أجندة نشطة معدة مسبقًا لمن سيصبح في بؤرة الحدث، ومن سيختفي منه.
ومن صفاتهم أيضًا السعي بكافة الطرق والجهود نحو الثراء، ما دام لن يكلفهم سوى المزيد من الولاء لمن يحقق لهم ما يسعون له. ومن صفاتهم أيضًا أن الرجال منهم تاركوا كل أمور حياتهم الأسرية لزوجاتهم، فهم لا يحركون ساكنًا في بيوتهم، ولا ينطقون إلا بقول "آمين" دائمًا. ومن صفات هذه الفئة، إذا كن نساءً، أنهن معسولات اللسان، مجاملات إلى أبعد الحدود، وبخاصة مع ذوي الأمر والنهي. وهن أيضًا لا يتركن فرصة ولا مناسبة ولا واجهة حضور إلا وكن المتصدرات البارزات.
أول الموافقين وآخر المعارضين طابور طويل من البشر، لا تأمنهم، واحذرهم، ولا تسلم لهم أمرك، ولا تفضفض معهم في أي حديث أو حوار، لأنهم لن يرحموك إذا ما كان وصولهم لمكان يبغونه يكون ثمنه الإفشاء بما بحت به لهم. من الضروري أن تعلم أن البعد عن هذه الفئة غنيمة، والقرب منهم هلاك وفناء. إلى أصحاب هذا المبدأ الهلاك، والسلام لكل من يؤمن بأن الإنسان بسيرته وليس بما جمعه من مال واستغنى عنه من رصيد أخلاقي وسلوكي.