توتر متصاعد بين نتنياهو وقادة جيش الاحتلال حول غزة واتهامات بالانقلاب

تصاعدت حدة الخلافات داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، مع تفجر صدام علني بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، الذي اختاره بنفسه، على خلفية خطة نتنياهو للسيطرة الكاملة على قطاع غزة، وهي الخطة التي يرفضها زامير ويحذّر من تداعياتها.
ووصفت صحيفة فاينانشيال تايمز التسريبات المتتالية التي خرجت من داخل الحكومة والجيش بأنها "منسقة"، وتهدف إلى تسجيل نقاط سياسية، بعدما تبادل الطرفان اتهامات علنية، وبلغت الاتهامات حد تصريح نجل نتنياهو، يائير، بأن قائد الجيش "يحاول تنفيذ انقلاب".
خطة السيطرة الكاملة
وخلال اجتماع لمجلس الوزراء الأمني استمر أكثر من عشر ساعات، شهد نقاشاً محتدماً، فعّل نتنياهو سلطته التنفيذية، وأمر الجيش بالاستعداد لتنفيذ خطة السيطرة الكاملة على مدينة غزة، متجاهلاً تحذيرات الجيش من أن هذه الخطوة قد تُنهك القوة العسكرية، وتُعرّض حياة المحتجزين الإسرائيليين في غزة للخطر.
ورفض نتنياهو خطة بديلة قدمها زامير، معتبراً أنها بمثابة "استسلام"، مؤكداً أنها لن تؤدي إلى هزيمة حماس ولا إلى استعادة المحتجزين. ورغم ذلك، أكد زامير أن الجيش سيُنفذ الخطة "بأفضل شكل ممكن"، على حد قوله.
حالياً، تُسيطر إسرائيل على نحو 75% من مساحة قطاع غزة، فيما تبقى مدينة غزة وعدد من مخيمات اللاجئين في وسط القطاع خارج السيطرة الإسرائيلية.

انقسامات حادة داخل حكومة وجيش الاحتلال
الخلاف ليس الأول من نوعه، لكنه يأتي في وقت تواجه فيه إسرائيل عزلة دولية متزايدة نتيجة حربها على غزة، وهو ما يُنذر، بحسب فاينانشيال تايمز، بتعميق الانقسامات الداخلية وتقويض ثقة الرأي العام بمؤسسات الدولة.
وتشير الصحيفة إلى أن نتنياهو يسعى إلى توظيف جيش الاحتلال الإسرائيلي في خدمة أجندته السياسية، وهو ما يرفضه كبار القادة العسكريين.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي سابق: "كان السياسيون في الماضي يستمعون للجيش... تغيرت الأمور الآن، هناك قدر كبير من التسييس داخل الحكومة".
باتت الاجتماعات الأمنية المصغّرة باتت تشهد توتراً متصاعداً، وغالباً ما تنتهي بتسريبات إعلامية من مختلف الأطراف، في محاولة لتوجيه الرأي العام أو كسب دعم داخلي.
ووفق الصحيفة البريطانية، فقد زادت حدة هذه التسريبات منذ بداية الحرب، مع محاولات نتنياهو تحميل قادة الأمن مسؤولية هجوم 7 أكتوبر، دون أن يتحمل أي مسؤولية شخصية.
في هذا السياق، نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن مساعدي نتنياهو فتّشوا رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، الذي استقال لاحقاً، بحثاً عن أجهزة تنصت قبل مشاركته في اجتماعات أمنية، ما يعكس حجم أزمة الثقة داخل النظام.
خطة زامير البديلة وتحذيرات من التضحية بالمحتجزين
رغم رفض نتنياهو، قدم زامير خطة بديلة تقوم على تطويق مناطق يُعتقد أن مقاتلي حماس يتحصنون فيها، مع تنفيذ عمليات دقيقة تستهدف تقليص الخسائر في الأرواح.
وقد سُرّبت هذه الخطة إلى الإعلام عبر مقربين من زامير، الذين أوضحوا أنها تسعى لتقليل الضغط على الجيش المنهك، وتُبقي الباب مفتوحاً أمام اتفاق محتمل يشمل إطلاق سراح المحتجزين.
لكن وبحسب التسريبات، وجّه زامير تحذيراً صريحاً إلى مجلس الوزراء الأمني قائلاً: "إذا أُمر الجيش بتنفيذ خطة نتنياهو، فيجب التفكير جدياً في إزالة هدف الإفراج عن المحتجزين من أهداف الحرب".
اعتبارات سياسية وراء قرارات الحرب؟
تشير مصادر إسرائيلية مطلعة إلى أن حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف يدفعون بقوة نحو تنفيذ السيطرة الكاملة على غزة، ويطالبون بطرد الفلسطينيين وإعادة توطين المستوطنين في القطاع. ويُلوّح هؤلاء بأن وقف الحرب في هذه المرحلة يعني تمكين حماس من "التحضير لهجوم جديد على إسرائيل".
في المقابل، يرى معظم قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي السابقين والحاليين أن حركة حماس أصبحت "قوة مستنزفة"، وأن الجيش في موقع قوة يسمح بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مع تحقيق الأهداف الاستراتيجية دون الحاجة لمزيد من التصعيد.
صراع مؤسسات أم معركة بقاء سياسي؟
في ظل هذا الانقسام الحاد، يرى مراقبون أن الخلاف لم يعد مجرد اختلاف في التقييم العسكري، بل تحوّل إلى معركة على توجه الدولة، وسط تداخل حسابات الأمن القومي مع المصالح السياسية لرئيس الوزراء.
وقال مصدر مطلع على عمل الحكومة الإسرائيلية: "عندما تشهد قضية أمنية بهذا الحجم تسريبات مكثفة وخلافات واضحة بين حكومة الاحتلال وجيش الكيان، فاعلم أن هناك اعتبارات سياسية تحكم المشهد أكثر من المصلحة الأمنية المباشرة"