عاجل

تصدع تاريخي: ماذا يعني رفض “الشيوخ” الأمريكي وقف بيع السلاح لإسرائيل؟

“الشيوخ” الأمريكي
“الشيوخ” الأمريكي يرفض وقف بيع السلاح لإسرائيل

أظهر تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي رفضًا لمشروعي قرار قدمهما السيناتور بيرني ساندرز (سيناتور تقدمي مستقل يميل للديمقراطيين) لوقف بيع الأسلحة لإسرائيل في سياق الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة. 

ويعتبر هذا التصويت أقرب ما وصل إليه الكونجرس الأمريكي لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل حتى الآن، إذ إن عدد السيناتورات الديمقراطيين الداعمين لوقف المبيعات هذه المرة ارتفع على نحو كبير مقارنة بالتصويتات المماثلة السابقة في أبريل 2025 ونوفمبر 2024. وقد أكدت وكالات الأنباء أن جميع أعضاء الحزب الجمهوري صوتوا ضد وقف المبيعات. ومن الممكن اعتبار هذا التصويت مؤشرًا مبدئيًا على تصدع الإجماع التاريخي الداعم لإسرائيل في الكونجرس الأمريكي، خصوصًا مع تزايد الأصوات التقدمية داخل الحزب الديمقراطي، والتي تنتقد الحكومة الإسرائيلية والدعم غير المشروط لها.[1]

ووفقًا للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تشير البيانات الرسمية إلى أن مشروعي القرارين كانا ينصّان على حظر بيع 20 ألف بندقية آلية من طراز M16/M4 إلى إسرائيل، وحظر بيع 5 آلاف قنبلة موجهة ثقيلة إلى إسرائيل. وكلا القرارين كانا من “قرارات الرفض المشتركة” (Joint Resolutions) التي تتطلب موافقة حجرتي الكونجرس والبيت الأبيض لتصبح نافذة، وهو أمر نادر الحدوث تاريخيًا. وأظهرت نتيجة التصويت أن 70 سيناتورًا رفضوا وقف مبيعات البنادق و27 صوتوا لصالحه، كما رفض 73 وقف مبيعات القنابل وصوت 24 لصالحه. وأظهرت السجلات الرسمية على موقع الكونجرس أن الأصوات الداعمة للقرارين جاءت بالكامل تقريبًا من الحزب الديمقراطي (بالإضافة للسيناتورين المستقلين بيرني ساندرز وأنغس كينج اللذين يتكتلان مع الديمقراطيين)، في حين صوت جميع الجمهوريين ضدهما.[2]

وتضاربت الآراء بين الديمقراطيين؛ حيث صوت زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ (تشارلز شومر) وكوري بوكر (من التقليديين الداعمين لإسرائيل) ضد وقف المبيعات، بينما دعم مشروعي القرار التقدميون مثل تامي بالدوين وجيف ميركلي فضلاً عن معتدلين مثل جون أوسوف وجيني شاهين وتيم كين وديك درابين في دعم المقترحات. كما تخلّت نائبة زعيم الحزب باتي موراي وحوالي 12 سيناتورًا ديمقراطيًا آخر عن موقفهم في أبريل السابق وصوتوا هذه المرة لصالح وقف المبيعات. وبحسب تقرير “تايمز أوف إسرائيل” فإن أعضاء “الجناح التقدمي” في الديمقراطيين شكّلوا كتلة داعمة للمشروعين، في حين احتفظ كثير من “المعتدلين التقليديين” بدعمهم غير المشروط لإسرائيل.[3]

وتؤكد هذه المعطيات التوجه التصاعدي في الموقف الديمقراطي؛ فقد قَلّت نسبة المؤيدين للحرب الإسرائيلية في أوساط ناخبي الحزب؛ إذ أظهر استطلاع حديث لـ “جالوب” أن 8% فقط من الناخبين الديمقراطيين يؤيدون الإجراءات العسكرية الإسرائيلية، مقابل 71% من الجمهوريين. مثل هذا الانقسام اللافت داخل الحزب الديمقراطي يضع قيادته أمام معضلة استراتيجية. فالمشرعون التقليديون من حزبهم (مثل شومر) يشعرون بالضغط للحفاظ على الإجماع التاريخي الداعم لإسرائيل، خشية فقدان قاعدة الناخبين اليهود التقليديين والدعم المالي من جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل واليهودية. [4]

أما الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي فيحاول الآن تحويل مطالب القاعدة الشعبية للحزب إلى سياسات رسمية؛ إذ ظهر توجه لدى جزء كبير من هذه القاعدة تدعم حقوق الفلسطينيين وتنتقد ممارسات الحكومة الإسرائيلية الحالية. وقد يؤدي الصراع بين هذين التوجهين إلى مزيد من الاستقطاب الداخلي؛ فمن الممكن أن يحاول قادة الديمقراطيين، خاصة قبل انتخابات 2026، إظهار الوحدة التقليدية الداعمة لإسرائيل، ومن جانب آخر قد يدفع التقدميون قيادتهم إلى تبني مواقف أكثر توازنًا أو انتقادًا لتصرفات تل أبيب، حتى لو كان ذلك يؤثر سلبًا في الولاءات التقليدية لبعض المانحين والحلفاء السياسيين.[5]

في المقابل، أبدى الحزب الجمهوري موقفًا موحدًا، فقد أعرب قادة الحزب والبيت الأبيض عن دعمهم الكامل لإسرائيل. إذ قالت جمعية “أمريكيون من أجل الأمن الإسرائيلي” (أيباك) في بيان رسمي: إن تصويت مجلس الشيوخ يؤكد “وقوف أمريكا مع إسرائيل في نضالها العادل”. وقد أشادت “أيباك” بالتصويت معتبرة أن وقف المبيعات كان سيُضعف التفوق العسكري الإسرائيلي ويشجع إيران وحماس وحزب الله على مواصلة حربها لاقتلاع إسرائيل من المنطقة.[6]

كما سلط الجمهوريون الضوء على انعدام وجود أي إجراء حقيقي من الديمقراطيين لإدانة ممارسات حماس؛ حيث يحمّل رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جيم ريش حماس مسئولية العمليات في غزة ودعا إلى إبقاء الدعم لإسرائيل دون عوائق لتعزيز أمنها. ويتيح هذا التماسك لدى الجمهوريين الترويج لأنفسهم بكونهم الضامن لالتزام أمريكا التقليدي بإسرائيل، وقد ينعكس هذا في الحملات الانتخابية المقبلة (2026 وما بعدها)؛ حيث سيسعى الجمهوريون لإضعاف الديمقراطيين بوصفهم أقل حرصًا على حلفاء أمريكا في المنطقة، مع محاولة لكسب المانحين التقليديين الداعمين لإسرائيل.[7]

تداعيات محتملة

يبرز من هذا الوضع امتصاص قوى اللوبي اليهودي للتغيرات داخل المشهد الأمريكي. فجمعيات الضغط التقليدية مثل أيباك (المقرَّبة من الحزبين بحكم تاريخها) أكدت دعمها للرئيس ترامب وللجلسة التي أسقطت مشروعي قرار ساندرز؛ إذ ظلت تُذكّر مرة أخرى بأن الموقف الجمهوري موحد «يضمن تفوق إسرائيل» في وجه «أعدائها». ولعل أيباك ستزيد في الفترة المقبلة من جهودها لضمان عدم خروج صيغة التفاهم بين الحزبين عن سياقها السابق، عبر دعم أكبر للمشاريع التشريعية التي تضمن استمرار دعم مستمر وغير مشروط لإسرائيل.[8]

من جانب آخر، فإن التوجه الجديد المتصاعد في الحزب الديمقراطي ومؤيديه قد يكون عاملًا منفرًا لكثير من اللوبيات اليهودية، وجماعات الضغط والمانحين الداعمين لإسرائيل، والذين كانوا داعمين تقليديين للحزب الديمقراطي، وجزءًا أساسيًا من قوته. وقد ينتج عن هذا النفور تقارب أكبر مع الحزب الجمهوري وهو ما من شأنه أن يرفع من شعبية الحزب الجمهوري بدرجة أكبر. وتعتبر هذه الاحتمالية هي السبب لمحاولة قيادات الحزب الديمقراطي المعتدلين التأكيد على استمرار موقف الحزب الداعم لإسرائيل، إلا أن من غير المتوقع تراجع التيار التقدمي داخل الحزب، إلا في حالة حدوث تغيير كبير (كتغيير حكومة نتنياهو على سبيل المثال) وهو ما يعتبر احتمالًا بعيدًا. وسينتج عن هذا الوضع زيادة في الانقسام وهشاشة مواقف وسياسات الحزب بشكل تدريجي.

إذا استمر الوضع قائمًا، فربما تتعمق الانقسامات الداخلية في الحزب الديمقراطي الأمريكي. على سبيل المثال، قد يضطر المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2028 إلى تقديم مقاربة جديدة تقوم على الربط بين الأمن الإسرائيلي والضمانات الإنسانية، في محاولة لاسترضاء جناح الناخبين التقدميين دون فقدان دعم التيار المركزي للحزب الداعم لإسرائيل. في المقابل، ستعارض القوى المحافظة في الحزب تلك المقاربات؛ مما سيعطي الجمهوريين المساحة للاندماج أكثر مع إسرائيل وجماعات الضغط الداعمة لها، مستفيدين من تضييق الهوة بين السياسة الخارجية وجمهورهم الداخلي المحافظ.

على المستوى الاستراتيجي، قد يدفع هذا السيناريو الإدارة الأمريكية إلى سياسة مزدوجة؛ دعم عسكري مستمر لإسرائيل وتأييدها على الساحة الدولية، مع استغلال سياق انتقادات الكونجرس لتقديم مساعدات إنسانية ومطالبات بالسلام. كما أنه من الممكن أن تؤدي هذه الديناميكية إلى تقلبات في العلاقات؛ فبينما يعزز انتصار الجمهوريين التقليدية الأمنية مع إسرائيل، فإن فوزًا ديمقراطيًا قد يسفر عن سياسة أقل انحيازًا رسميًا مقابل دعوات لإعادة إطلاق العملية السياسية. وفي كلا الحالتين، سيصبح الملف الإسرائيلي-الفلسطيني من القضايا المعقدة في السياسة الداخلية الأمريكية؛ إذ ستستمر فيه اللوبيات اليهودية في لعب أدوارها العلنية والخفية، وربما نشهد تغيرًا تدريجيًا في أولويات الناخبين اليهود الأمريكيين بين دعم الحزبين. من جانب آخر، سيؤثر هذا السيناريو في بروز قضايا حقوق الإنسان والهجرة في السباقات الانتخابية الأمريكية؛ حيث ستستفيد الحركات الداعمة لفلسطين والمؤيدة لحل الدولتين من الاهتمام المتزايد من بعض قطاعات الناخبين، خاصة في ظل الزيادة التدريجية للكتلة العربية والإسلامية في الولايات المتحدة.

وختامًا، يشكل تصويت مجلس الشيوخ هذا، بشكل عام، مؤشرًا على نقطة تحول محتملة في السياسة الأمريكية، فبالرغم من أن النتيجة المباشرة للقرار هو استمرار الدعم وبيع الأسلحة لإسرائيل، فإنه يعتبر مؤشرًا لاحتمالية حدوث تغييرات على المستوى الداخلي للحزب الديمقراطي. فإذا أفضى هذا الوضع إلى مراجعة لمعايير دعم إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، فقد ينتج عن هذا تغيير في موازين القوى الحزبية بشكل عام في الولايات المتحدة. وبالرغم من أن احتمالية تغيير الولايات المتحدة لسياسة دعمها غير المشروط لإسرائيل لا تزال بعيدة المنال، فإن في حالة حدوث مثل هذه المتغيرات، قد يؤدي على الأقل إلى انقسام المشهد الداخلي الداعم لإسرائيل بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ مما سيعرقل سلاسة عملية الدعم الكامل بشكل كبير.

تم نسخ الرابط