على مدار العقود الماضية، شكّلت الجماعات الإرهابية تهديدًا مباشرًا على الأمن القومي للدول، والاستقرار الإقليمي والدولي، ولعل أبرز هذه الجماعات تلك التي نشأت تحت ستار الدين واتخذت من العمل السياسي غطاءً لأجنداتها المتطرفة. ومن بين هذه الجماعات، برزت جماعة "الإخوان المسلمين" كواحدة من أكثر الكيانات المثيرة للجدل في التاريخ المعاصر، نظرًا لسجلها الطويل في التحريض والعنف والتغلغل داخل مؤسسات الدولة والمجتمع.
خلفية تاريخية
تأسست الجماعة في مصر في أوائل القرن العشرين، وادّعت في البداية العمل على "إحياء الإسلام" في المجتمعات العربية. ومع مرور الوقت، تبيّن أن الجماعة تتبع منهجًا يقوم على مبدأ "التمكين" والتدرج في السيطرة على مفاصل الدول، بما في ذلك استغلال المنابر الدينية والتعليمية والإعلامية، والتغلغل في المجتمعات المدنية والأنظمة السياسية.
بعد عام 2013، اتخذت الدولة المصرية قرارًا تاريخيًا بإدراج الجماعة كمنظمة إرهابية، استنادًا إلى دلائل دامغة على تورطها في عمليات عنف وتخريب وتحريض على الفوضى داخل البلاد، إضافة إلى دعمها العلني والضمني لعدد من التنظيمات الإرهابية المسلحة. لم يكن قرار مصر سياسيًا فحسب، بل كان قائمًا على حماية الأمن القومي والدفاع عن الدولة من محاولات الاختراق الفكري والعسكري.
تحذيرات دولية واستجابة عالمية
استجابةً للتحذيرات المصرية، بدأت دول عدة في العالم – خاصة في المنطقة العربية والإسلامية – بإعادة النظر في أنشطة الجماعة داخل حدودها. فتم حظر الجماعة رسميًا في دول الخليج العربي مثل السعودية والإمارات والبحرين، وكذلك في الأردن. كما اتخذت دول أخرى مثل روسيا قرارات مماثلة، بينما أدرجت الجماعة على لوائح الإرهاب في بعض الدول الأوروبية والأفريقية.
وقد سبق أن حذرت مصر، في محافل دولية، من خطر الجماعة على الاستقرار الإقليمي، مؤكدة أن السماح بانتشار أفكارها يمثل تهديدًا مباشرًا على المجتمعات، خاصة فئة الشباب، الذين غالبًا ما تستهدفهم الجماعة عبر خطاب ديني متطرف وشعارات برّاقة.
رغم تردد بعض الدول الغربية في البداية بحظر الجماعة صراحة، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا ملحوظًا في الموقف الأوروبي. فقد بدأ الاتحاد الأوروبي وبعض دوله الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا والنمسا باتخاذ إجراءات متشددة تجاه الجمعيات والمنظمات التابعة للجماعة، بعد رصد أنشطتها المثيرة للقلق وارتباطها ببيئات التطرف والعنف والكراهية.
خطر باقٍ… وتحذير مستمر
رغم ما تحقق من خطوات مهمة في تجفيف منابع الجماعة، فإن خطرها لا يزال قائمًا، نظرًا لقدرتها على إعادة التكيّف والتغلغل في المجتمعات عبر واجهات خيرية أو ثقافية أو سياسية. ولهذا، تستمر مصر وعدد من الدول العربية والإسلامية في الدعوة إلى موقف دولي موحد لمواجهة هذا الكيان، وإدراجه على قوائم الإرهاب العالمية، على غرار تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة".
إن الحظر الرسمي لنشاط الجماعة في عدد من الدول هو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس كافيًا ما لم يُقترن باستراتيجية شاملة لتفكيك خطابها المتطرف، وكشف أهدافها الحقيقية، وتحذير الأجيال القادمة من الانجرار وراء أفكارها المضللة. إن تاريخ الجماعة، وما خلفته من دمار وانقسامات، يجب أن يكون شاهدًا دائمًا على ضرورة التصدي لها بكل حزم، حفاظًا على وحدة الأوطان وأمن الشعوب