يشهد العالم في عام 2025 مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية غير المسبوقة، حيث يتصاعد التنافس بين القوى الكبرى بشكل متسارع، وسط غياب مركز واحد للقرار الدولي، ما يطرح تساؤلاً جوهرياً حول طبيعة النظام العالمي الراهن، هل نحن أمام إعادة تشكل حقيقية لنظام متعدد الأقطاب، أم أننا نعيش فصلاً جديداً من صراع محتدم يأخذ أشكالاً متنوعة وغير تقليدية؟
الولايات المتحدة، رغم استمرار تفوقها العسكري والتكنولوجي، لم تعد اللاعب الأوحد القادر على فرض إيقاع السياسة العالمية، فقد صعدت قوى أخرى، أبرزها الصين وروسيا، لتتحدى هذا التفرد، كلٌ وفق أدواته وأولوياته الصين، التي باتت القوة الاقتصادية الثانية عالمياً، تواصل توسيع نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق، والاستثمارات الكبرى في أفريقيا وآسيا، إلى جانب تطوير قدراتها التكنولوجية والعسكرية، أما روسيا، فترتكز على الحضور الاستراتيجي في مناطق النزاع، والتأثير في ملفات الطاقة، والتحالفات التي تراكمها في مناطق تعاني من فراغ في القرار الدولي.
في هذا السياق، باتت مناطق عدة من العالم مسرحاً لهذا التنافس، من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية إلى أفريقيا والشرق الأوسط، وقد أصبح الصراع في كثير من الأحيان غير مباشر، يتخذ طابعاً اقتصادياً أو تقنياً أو أمنياً، بدلاً من المواجهة العسكرية الكاملة، الحروب التجارية، سباق الفضاء، التحكم في سلاسل التوريد، النفوذ في المؤسسات الدولية، وحتى تصدير أنماط الحكم، كلها أدوات تُستخدم اليوم لتكريس النفوذ وتشكيل ملامح النظام العالمي الجديد.
الأوروبيون من جانبهم يسعون للعب دور مستقل، لكن انقسامات الداخل وضعف القدرة على الفعل الموحد يحد من فاعليتهم في توجيه الأحداث، كما أن صعود قوى إقليمية مثل الهند وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا يعزز الاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب، تتوزع فيه القوة بين مجموعة من الدول القادرة على التأثير، ولو بدرجات متفاوتة، إلا أن هذا التعدد لا يعني بالضرورة توازناً عادلاً أو استقراراً دائماً، بل قد يفتح المجال أمام مزيد من التوترات، خاصة في ظل غياب قواعد ملزمة تُنظم العلاقات بين هذه القوى.
التحديات العابرة للحدود، كالتغير المناخي، والأوبئة، والتقنيات الخارقة، زادت من تعقيد التنافس الدولي فبدلاً من أن تشكل حافزاً للتعاون، أصبحت ساحة إضافية للمنافسة، سباق السيطرة على الذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا الطاقة الخضراء، والبيانات الكبرى، يُدار اليوم بعقلية التمركز والاستئثار، لا تقاسم المنافع أو حماية الإنسانية.
وبينما تتحدث بعض الأطراف عن عالم "ما بعد الهيمنة"، يزداد الواقع ميلاً نحو نظام مختل لا يحكمه قطب واحد، ولا ينظمه توافق جماعي، حالة من السيولة الاستراتيجية تجعل من كل تحالف مؤقتاً، وكل توافق هشاً، وكل أزمة قابلة لأن تتحول إلى صراع أوسع، في ظل هذا التوتر، يظل مستقبل النظام العالمي مفتوحاً على احتمالات متضاربة، إما اتجاه نحو التوازن المسؤول بين الأقطاب، وإما انزلاق تدريجي نحو مواجهات باردة وربما ساخنة في مناطق متعددة من العالم.
هكذا تبدو صورة التنافس الدولي في 2025 مشهد معقد تتشابك فيه الطموحات، وتتقاطع فيه المصالح، دون أن تتبلور بعد معادلة مستقرة، فالطريق نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب قد يكون بالفعل قيد التشكّل، لكنه محفوف بصراعات محتدمة قد تترك العالم في حالة اضطراب دائم ما لم تُوضع له أسس تنظيمية جديدة تتناسب مع موازين القوى المتغيرة