هل يجوز بيع الثمار قبل ظهورها؟ دار الإفتاء توضح الحكم والضوابط

أوضحت دار الإفتاء أنه لا يجوز شرعًا شراء الثمار التي لم يُزرع بذْرُها بعد، لأن هذا النوع من البيع يدخل في بيع المعدوم، وهو منهيٌّ عنه في الشريعة؛ لما يتضمنه من غرر وجهالة، إذ لا يُدرى هل ستنبت الثمار أصلًا أو لا، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«لا تبع ما ليس عندك»، وهو نصٌّ في النهي عن بيع ما لم يوجد بعد.
لكن يمكن تصحيح هذه المعاملة من خلال عقد السَّلَم، وهو عقد مشروع في الشريعة، يقوم على بيع شيءٍ موصوف في الذمة بثمنٍ مقبوض مقدمًا، مع تأجيل تسليم المبيع.
ويتم ذلك بأن يتفق الطرفان على نوع الثمار وصفاتها ومقدارها وميعاد التسليم بدقة، بحيث تزول الجهالة ويُنتفى الغرر.
فإذا جاء وقت التسليم، وكانت الثمار مطابقة للوصف المتفق عليه، استحقها المشتري، وإن لم تكن كذلك، وجب على البائع أن يُقدِّم بديلًا يوافق الشروط المتفق عليها
الأصل في المعاملات المالية هو الإباحة ما لم يرد دليل بالتحريم
تقرر في الشريعة الإسلامية أن الأصل في المعاملات المالية هو الحل والإباحة، ما لم يرد نص شرعي يُحرِّم نوعًا معينًا منها، وهو ما يُعرف عند الفقهاء بقاعدة: “الأصل في المعاملات الإباحة”.
وقد جاءت الشريعة لتنظيم المعاملات بما يحقق مصالح الناس ويُلبي احتياجاتهم، من غير ظلمٍ أو غبنٍ لأحد الطرفين. ومن ذلك قول الله تعالى:
﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]،
فقد دلّت الآية على أن البيع في أصله حلال، كما أشار الإمام القرطبي إلى أن اللفظ هنا عام يشمل جميع صور البيع، ما لم يكن فيها ما يُخرِجها عن هذا الأصل من ربا أو غش أو غرر.
وقد بيّن الإمام الشوكاني أن تحريم الربا إنما هو تحريم لنوعٍ خاص من أنواع البيع، بينما يظل البيع في عمومه جائزًا ما لم يشتمل على محظور شرعي.
حكم بيع الثمار قبل ظهورها
من صور المعاملات التي تقع أحيانًا، ما يفعله بعض التجار من شراء ثمار لم تُزرع بعد، أي قبل أن تُوجد أصلًا. وهذه المعاملة، كما بيّن الفقهاء، تُعد من بيع المعدوم، وهو بيعٌ غير جائز عند جماهير العلماء.
وقد ورد النهي الصريح عن هذا النوع من البيع في حديث النبي ﷺ لحكيم بن حزام رضي الله عنه، حين سأله: “يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أأبتاع له من السوق ثم أبيعه؟” فقال له النبي ﷺ: “لا تبع ما ليس عندك”.
كما أن هذا النوع من البيع يشتمل على غرر وجهالة، لاحتمال أن تتعرض الثمار قبل وجودها لأي ضرر طبيعي أو تلف، ما يجعل المعاملة مبنية على احتمال مجهول.
وقد نهى النبي ﷺ عن بيع الغرر كما في صحيح مسلم، وبيّن العلماء أن هذا النهي أصلٌ كبير يُستثنى منه حالات خاصة بضوابط.
الإمام النووي عدَّ بيع المعدوم والغرر من البيوع الباطلة، وذكر صورًا متعددة تندرج تحته، كبيع ما لا يُملك أو ما لا يُسلَّم، أو ما لم تُعرف صفته.
البديل المشروع: عقد السَّلَم
ومع ذلك، أتاحت الشريعة الإسلامية للناس بديلًا مشروعًا يلبي حاجتهم، وهو عقد السَّلَم، الذي يعني: بيع شيءٍ موصوف في الذمة يُسلَّم في المستقبل بثمنٍ يُدفع مقدمًا.
وقد ثبتت مشروعية هذا العقد بنصوص صحيحة، منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
قدم رسول الله ﷺ المدينة وهم يُسلفون في التمر السنة والسنتين، فقال:
«من أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم، ووزنٍ معلوم، إلى أجلٍ معلوم».
[متفق عليه]
وقد أجمع العلماء على جواز عقد السلم عند الحاجة، لما فيه من تيسير للناس ورفعٍ للحرج، لا سيما لمن يعتمدون على الزراعة أو الإنتاج المستقبلي، ويحتاجون إلى تمويل مُقدَّم.
يقول الإمام ابن قدامة إن الناس محتاجون لهذا النوع من العقود؛ لأن أصحاب الزروع يحتاجون للنفقة على الزرع قبل أن يُثمر، فشُرع لهم السلم ليستفيد البائع والمشتري معًا.
لكن يشترط الفقهاء لجواز عقد السلم عدة ضوابط، منها:
• أن يكون المبيع مضبوط الصفات.
• أن يُذكر الوزن أو الكيل أو العدد إن لزم.
• أن يُحدد أجل التسليم بدقة.
ويجوز السلم في كل ما يمكن ضبطه بهذه الصفات، ويُمنع في ما لا يمكن وصفه بدقة، منعًا للنزاع والخلاف.
الطريقة الصحيحة للتعامل
إذا أراد التاجر أن يشتري ثمارًا لم تُزرع بعد، فالصيغة الشرعية لذلك هي:
أن يبرم عقدَ سلمٍ يحدد فيه نوع الثمار وصفاتها ومقدارها وزمان تسليمها، فإذا جاء وقت التسليم، وجب على البائع أن يُسلِّم الثمار مطابقةً للوصف المتفق عليه، أو أن يوفر غيرها بنفس المواصفات إن لم تتوافر.
بهذا التكييف، تتحقق المصلحة المشروعة، ويُرفع الحرج، وتُصان العقود من الظلم والغرر، وهو ما تهدف إليه أحكام الشريعة في المعاملات المالية