عاجل

إن حال المنطقة العربية بالنسبة لدعم الابتكار والمبتكرين ينطبق عليه المثل القائل "أسمع جعجعة ولا أرى طحينا"، فكثيرا ما نسمع من مسؤولين في دولنا العربية عن انه هناك مبادرات قوية ودعم مالي ومراكز لدعم الابتكارات الوطنية والمبتكرين، ولكننا لم نرى طحينا إلى الان، فلم نرى اي منتجات تكنولوجية او ابتكارات عربية في السوق أو جهاز عربي واحد ينافس الأجهزة الموجودة حتى في اسواقنا!، اللهم هناك عدد محدود من الشركات التي خرجت إلى السوق (بالرغم من كل المعوقات الكثيره في نظام دعم التكنولوجيا في المجتمعات العربية)  و التي دعمتها بعض المؤسسات الخيرية، أو رجال الأعمال الذين لهم علاقة مباشرة بمخرجات هذه الشركات، فهل المشكلة في المبادرات أم في المسؤولين أم في الشعب نفسه؟؟؟؟؟
في اعتقادي أن من أحد أهم الاسباب التي تجعلنا لا ننتج أي منتجات تكنولوجية تنافس دوليا وفي فشل كل الجهود الوطنية في خلق البيئة الداعمة للابتكار وفي فشل  كل المجالات التنموية في بلداننا، هي المحسوبيه والواسطه ووضع الشخص الغير مناسب في المكان المناسب، حيث إن وضع أشخاص غير مناسبين في الأماكن القيادية العليا او الأماكن القيادية ذات المسؤولية المتعدية أمر في غاية الخطورة على تقدم الدول، بل وعلى الأمن القومي لاي دولة. فهذا النهج قد لا يقتل الابتكار والمبتكرين فقط، بل يمكن أن يقضي على الدولة ككل بتأثيره المباشر على كل مجالات الأمن القومي، مثلما حدث مع الاتحاد السوفيتي بعد نهاية الحرب الباردة حيث كانت الولايات المتحدة الامريكية تملك جاسوسا روسيا يعمل مستشارا للرئيس الروسي، وكان من اكثر السياسين تفانيا واخلاصا في العمل، لدرجة أن الجميع تفأجئ عندما  اكتشفوا ان هذا الرجل هو جاسوس للمخابرات الامريكية، لقد كان دور هذا الجاسوس لا القتل و لا ارسال المعلومات و لا التجسس على أي شخص في الدولة، و حتي عند التحقيق معه لم يجدوا اي شيء يدينه، فسألوه: ما هي أهميته للمخابرات الامريكية؟، فقال: "ان عمله كان يقوم على اساس وضع الرجل الغير مناسب في المكان المناسب وهذا الشيء ساعد كثيرا في تفتت وإضعاف الاتحاد السوفياتي"!!!
للأسف ما يحدث في بعض الجهات في دولنا العربية شبيه بما حدث في الاتحاد السوفيتي لكن بطرق و نوايا مختلفة (قد يكون جهل في بعض الأحيان)، فالتعيين في الوظائف القيادية والمراكز المهمة يتم في كثير من الاحيان حسب معايير لا علاقة لها بأي معايير تؤهل للوظيفة، فالاختيار بغض النظر عن المؤهلات العلمية أو الفنية أو الخبرة والسيرة الذاتية، وخاصة في الاماكن التي يمكن أن يكون لها الاثر المباشر في دعم الدولة ونهضتها. إن الاختيار إذا لم يكن على أساس المؤهلات العلمية والخبرة الوظيفية يصبح معرقلا، بل وكارثيا في كثير من الاحيان، ولو كان هذا القائد غير مؤهل للوظيفة فهذا يهدر الكثير على المنظمة وعلى الدولة ويجعلها تفقد ما كانت سوف تكسبه لو وضع رجل مناسب ومؤهل. هذه الاختيارات السيئة يدعمها للأسف عدم تطبيق القواعد الإدارية بشكل حقيقي والتي تكفل حسن سير العمل عن طريق تقييم أداء المسؤولين بشكل دوري وشفاف، و كذلك  انعدام الرقابة و عدم محاسبة او حتي اقصاء كل من يثبت عدم قدرته على القيام بمهامه بشكل الصحيح، ولقد أكد الدين الاسلامي و كل الاديان السماوية على أنه من الواجب على الحكومات والمسؤولين أن يسندوا الوظائف لأهلها، وإن لم يوجد الكفء المطلق فيجب أن يسند الأمثل فالأمثل، وإلاَّ كان المسؤولون آثمين حينما يضعون الرّجل في المكان غير المناسب لأهليته، لأنَّ جهله بالتكاليف وضعف خبرته ستنعكس سلباً وفساداً في الواجبات المكلّف بها. وهذا موصوف في القرآن الكريم بقوله تعالى: "إن خير من استأجرت القوي الأمين".
لذلك فإن الاصل هو وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وأن كل من يتم اختياره لشغل اي وظيفة في الدولة لابد أن يكون مؤهلا لها،  قادراً على تولي مسؤولياتها وواجباتها، وملما بمتطلبات العمل والوظيفة، وأن يكون لديه الخبرة بقيادتها، وراغبا في الإضافة لها وليس حتى إبقاء وضعها على ما هو عليه. ولاختيار الشخص المناسب لابد من الاختيار على اساس الكفاءة والخبرة الحقيقية، ويفضل من تعلم بالإضافة الي وظيفته معنى الوطن والامن القومي ليفهم أهمية دعم العلم والمبتكرين والصناعة وخاصة التكنولوجية منها، وأن يكون هناك تكافؤ للفرص وعدم التمييز، كذلك لابد من جعل شغل الوظائف بالمفاضلة والجدارة .وأن يكون هناك قياس حقيقي كل عام لمستوى انجاز المسؤول وأن يتم محاسبته اذا قصر في اداء المهمة الموكلة له، لا أن ننتظر إلى ان يتسبب في فساد مالي او إداري. والأهم عدم تهمش الأشخاص المتميزين، بل معاقبة كل من يفعل ذلك بهم، لأن هذا يعتبر اهدار لموارد الجهة، فالإهدار ليس ماليا فقط، بل وعقول وأفكار. إن تحدي منطقتنا كبير، ولا سبيل للمواجهة إلا بالبناء وبامتلاك العلم والتكنولوجيا المحلية، فهذا ما جعل دولة الاحتلال تفتح سبع جبهات دون تأثير قوي على اقتصادها، لأنها تبنت فكرة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لدعم الابتكار المحلي، وفي النهاية لابد أن نتذكر قول سيد الخلق سيدنا محمد صل الله عليه وسلم عندما قال: " إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة "، قيل: كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال: " إذا أسند الأمر إلى غير أهله".

تم نسخ الرابط