عاجل

تنطلق اليوم رحلة جديدة في مسار الدولة المصرية نحو تعزيز الديمقراطية وترسيخ قيم المشاركة السياسية، ، إيذانا ببدء محطة جديدة في حياة وطن لا يعرف التوقف عن البناء والتحديث، ولا يغفل أبدا صوت المواطن باعتباره شريكا أصيلا في القرار وصانعا حقيقيا للمستقبل.

ها هو قطار "الشيوخ" ، محملا بآمال وتطلعات كبيرة مسنودا بتاريخ دولة عريقة، وموجها ببوصلة الإرادة الشعبية التي اختارت أن تسهم في رسم معالم الطريق السياسي، بعيدا عن السلبية والانكفاء، هي لحظة فارقة، لا تقل أهمية عن لحظات التأسيس والبناء، بل تمثل تتويجا لتجربة طويلة من الإصلاح التشريعي والسياسي، ولبنة أساسية في معمار الدولة الحديثة التي أرادها المصريون قوية، مستقرة، و متجذرة في مؤسساتها.

إن مجلس الشيوخ – وفقا لدوره الدستوري – ليس مجرد غرفة ثانية في المنظومة التشريعية، بل هو منصة للتفكير العميق والرؤية الاستراتيجية، ولغة الحكمة في اتخاذ القرار، وميدان حوار يتسع لكل أطياف الفكر الوطني، ووجوده ضرورة وليس ترفا، وممارسته الفعلية لمسؤولياته تعني توسيع مساحة الحوار الوطني، وتعميق الرقابة التشريعية، وصياغة سياسات أكثر نضجا واتزانا تخدم مصالح الأجيال القادمة.

ولأن الديمقراطية ليست فقط صندوقا انتخابيا، بل هي ثقافة راسخة وسلوك جمعي، فإن نزول المواطن للإدلاء بصوته، داخل الوطن أو خارجه، هو انعكاس لإيمانه بأن صوته له قيمة، وأن اختياراته تصنع الفرق وأن المصريين بالخارج، وهم يشاركون اليوم في التصويت، يبعثون برسالة واضحة للعالم: أن الانتماء للوطن لا تحده المسافات، وأن الهوية الوطنية لا تتأثر بالغربة، بل تشتد في اللحظات المصيرية.

وقد شهدنا على مدار السنوات الماضية كيف سعت الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى ترسيخ أسس الجمهورية الجديدة، التي تقوم على المشاركة لا الإقصاء، وعلى الرأي والرأي الآخر لا التوجيه الأحادي، وعلى تكامل المؤسسات لا تضاربها، وفي قلب هذه الرؤية، يأتي مجلس الشيوخ ركيزة فكرية وتشريعية تضيف للقرار السياسي بعدا نوعيا واستشرافيا، يضمن له الاتزان والدقة والفاعلية.

إن المشاركة في هذه الانتخابات ليست مجرد فعل شكلي، بل هي انعكاس لوعي سياسي متنامي، وقراءة دقيقة لتحولات الواقع و نحن أمام مشهد يثبت أن المواطن المصري أصبح أكثر إدراكا لدوره، وأكثر وعيا بأهمية المؤسسات، وأكثر تصميما على ألا يظل متلقيا للقرارات، بل شريكا في صناعتها.

ولا يخفى على أحد، أن العالم من حولنا يمر بتغيرات دراماتيكية، سياسيا واقتصاديا، في ظل أزمات متلاحقة تلقي بظلالها على الجميع وفي مثل هذه الظروف، فإن وجود مؤسسات قوية ومتماسكة، نابعة من إرادة شعبية حقيقية، هو صمام الأمان لأي دولة، ومجلس الشيوخ، كبيت للخبرة والعقلانية، يمثل إحدى أدوات تحصين الدولة المصرية من أي اختلال أو انزلاق.

ولا نغفل هنا أهمية الاختيارات الواعية من قبل المواطنين، فليست المشاركة هدفا في حد ذاتها، بل المشاركة الذكية الواعية التي تفرز الأفضل، والتي تمنح المقاعد لمن يستحقها، من الكفاءات والكوادر الوطنية التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فالمجالس التشريعية ليست منصات للظهور الإعلامي، ولا ساحات لتصفية الحسابات، بل هي ورش عمل كبرى تحتاج إلى العقول الجادة والأفكار البناءة والأداء المسؤول.

وإذ نتابع المشهد الانتخابي ونشهد زخمه المتنامي، لا بد من التوقف أمام الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة المصرية، بدءا من الهيئة الوطنية للانتخابات، مرورا بمؤسسات الدولة كافة، لتأمين وتنظيم هذه العملية الديمقراطية، وتوفير مناخ نزيه وآمن يليق بالمواطن المصري، و تلك الجهود ليست فقط مؤشرا على التنظيم الجيد، بل دليل على الاحترام العميق لإرادة الناخبين، وتعزيز لثقة المواطن في العملية السياسية برمتها.

إن انطلاق قطار الشيوخ اليوم، ليس مجرد حدث انتخابي عابر، بل هو خطوة في مسار ممتد من التحديث السياسي، وتأكيد على أن الدولة المصرية تمضي قدما في استكمال مؤسساتها بإرادة حرة وشراكة وطنية، هي لحظة كتابة صفحة جديدة في سجل الديمقراطية المصرية، صفحة عنوانها: "المواطن أولا"، وموضوعها: "الوطن فوق الجميع".

فليشارك الجميع، داخل مصر وخارجها، ولتكن هذه الانتخابات رسالة متجددة من المصريين بأنهم يقظون، حاضرون، لا يغيبون عن مشهد، ولا يتقاعسون عن مسؤولية فكل صوت يدلي به اليوم هو لبنة في بناء وطن أراد له شعبه أن يكون نموذجا يحتذى، وقوة لا تكسر، وأملا لا يخبو.

تحيا مصر بأبنائها الشرفاء، وبمؤسساتها القوية، وبإرادتها الحرة.

تم نسخ الرابط