عاجل

تحول جوهري.. قرءاة في مسار الموقف الروسي من حركة طالبان

جانب من اللقاء
جانب من اللقاء

منذ سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول في عام 2021، والإطاحة بحكومة الرئيس الأسبق أشرف غني، أصبحت أفغانستان محورًا لتفاعلات دولية متباينة؛ إذ أعربت بعض الدول عن قلقها من مستقبل الحكم تحت سيطرة طالبان، بينما اعتبرتها دول أخرى شريكًا استراتيجيًا، في حين ظلت دول عديدة تنظر إليها كعدو تاريخي وفي ظل هذا الانقسام الدولي، لم تُقدم إلا قلة من الدول على الاعتراف بحكومة طالبان، وكان من أبرزها روسيا، التي فتحت أفقًا جديدًا في تحول الجوهري تجاه موقفها من الحركة، لطالما شكلت كابول عنصرًا مهمًا في الحسابات الجيوسياسية للسياسة الخارجية الروسية.

ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، فعلى مدار العقود الخمسة الماضية، شهدت العلاقات الأفغانية–الروسية تقلبات حادة، اتسمت بالتوترات والصراعات، تأثرت بشكل رئيسي بعاملين أساسيين: الوجود الأمريكي في المنطقة والاضطرابات الأمنية.

ومع استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، وجدت موسكو نفسها أمام واقع جديد دفعها إلى إعادة النظر في موقفها التقليدي من الحركة، فبدأت في تسوية العلاقات ورفع القيود القانونية المفروضة عليها.

تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى توضيح تطور الموقف الروسي من حركة طالبان، واستعراض العوامل التي دفعت موسكو إلى تعديل سياساتها الخارجية تجاهها، وكذلك رصد المواقف الدولية من حكم طالبان في ضوء اعتبارات الاستقرار والتحول الجيوسياسي في المنطقة.

عوامل مؤثرة:

يرجع إهتمام الحكومة الروسية بالعلاقه مع كابول، لعدد من الأسباب، تشكل نقاط هامة منها: ” العلاقات الحدودية ذات العمق بين البلدين، والهوية الثقافية والاجتماعية، كذلك مخاطر التطرف عبر الحدود. هذا بالإضافة إلى قلق موسكو لعدم وضوح سيطرتها علي المشهد خلال تواجد منافس غربي، كذلك التأثير علي دول أسيا الوسطي المحتمل للمشهد الجديد الذي يتسم بالضعف، حيث تكن تلك المنطقة دائرة نفوذ للحكومة الروسية” وعلاوة علي ذلك لقد أخذت روسيا قرار بتزويد حكومة طالبان بالدعم الطاقوي وعلي الرغم من تحفظاتها التي أعلنت عنها تجاه الحركة، وذلك يعطي أنعكس للأستراتيجية الروسية في الحفاظ علي حصتها من المصالح في المشهد الأفغاني.(1)

العلاقات قبل التفاهمات الأخيرة:

اتسمت العلاقة بين موسكو وكابول بين عامي 1996 حتي 2001 بالتناقر والتباعد، فقد كان موقف حكومة موسكو متبني عدًا لحركة طالبان؛ حيث كانت السياسات الروسية تتوافق مع الغرب، نظرا بما كان يحدث وقتها من خلافات بين الحكومة الفعلية ومطالب الحركة، ومع الوقت قد تدهورت العلاقات الروسية – الأفغانية.

فمنذ تولى الرئيس ” فلاديمير بوتين”، حكم روسيا؛- رسخت موسكو تعاون مع طالبان، ساعد على فتح أفق ايجابية لتعزيز راوبطها الأقتصادية، والسياسية، وخاصة التعاون الاقتصادي بين تلك الحكومتيين. (2)

تطور العلاقات.. التفاهمات الجديدة:

في ٤ يوليو ٢٠٢٥، صرحت وزارة الخارجية لدي طالبان، بأن موسكو قد اعترفت بالحركة رسميًا، ومع هذا الاعتراف الروسي بدأت الحكومة الروسية في رفع علم حركة طالبان علي سفارة أفغانستان، ثم عينت الحركة أول سفير رسمي لها في موسكو. وتعد روسيا الاتحادية أولي الدول الذي اعترفت رسميًا بالإمارة الإسلامية لدي أفغانستان، منذ سيطرة الحركة علي زمام السلطة.

 التطور التدريجي لروسيا من طالبان لم يكن مفاجئاً، بل جاء تدريجياً، حيث شهدت العلاقات الروسية وحركة طالبان تحولات في غاية الأهمية منذ سيطرتها علي زمام السلطة، وتتمثل الأهداف الدافعة لروسيا كالتالي:

١. تحديات أمنية: تواجه الحكومة الروسية، مخاطر أمنية عدة من قبل الجماعات المسلحة، أهمها تنظيم داعش المعادي لطالبان، وهو ما عبر عنه هجوم إرهابي شنه الانظبم في مارس ٢٠٢٤ علي قاعة كروكوس. بالتالي، تتخوف موسكو من تسلل مقاتلي التنظيم من أفغانستان إلي دول الجوار الروسي.

٢. تعزيز النفوذ الروسي وإضعاف الدور الغربي: فروسيا تسعي إلى إعادة ترسيم خريطة توازنها وتعزيز نفوذها في محيطها وتحديداً دول آسيا الوسطي. فروسيا تري أن الفراغ الأمريكي في هذا المنطقة يجب سده، وبالتالي إعادة رسم الوضع الجيوسياسي من جديد.

(*) تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي: موسكو تسعي نحو تعزيز المحدد الاقتصادي في تعاملاتها مع طالبان، خاصة وأن أفغانستان تعد دولة ترانزيت في نقل الغاز الروسي المتجه نحو دول جنوب شرق آسيا، كما أن أفغانستان بها فرص اقتصادية بسبب الثروات المعدنية من الحديد، والذهب، والنحاس.

خاتمًا، يعكس المشهد الأفغاني الراهن، تحولًا جوهريًا في التفاعلات الدولية والإقليمية مع حركة طالبان منذ عودتها إلي الحكم في أغسطس 2021، أنقسمت المواقف الدولية بين الرفض الغربي وبين براغماتية شرقية التي تتمثل في انخراط نشط من قبل موسكو، وبكين ودول الجوار لتحقيق مصالح استراتيجية، وأمنية، واقتصادية.

تم نسخ الرابط