هل ينتقض الوضوء للمرأة الحامل بسبب القيء ؟ الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء وضوء المرأة الحامل لا ينتقض بسبب قيء الطعام الذي تناولته، سواء كان هذا القيء قليلًا أو كثيرًا، ولا حرج عليها في ذلك ولا إثم، ويُستحب لها – إن استطاعت – أن تُجدد وضوءها خروجًا من الخلاف وطلبًا للأفضلية
الطهارة شرط لصحة الصلاة
جعل الإسلام الصلاة صلةً دائمة بين العبد وربه، فهي من أعظم العبادات، وأهم أركان الدين بعد الشهادتين، وفيها يقف العبد بين يدي مولاه متوجهًا إليه بقلب خاشع، وجوارح خاضعة، وعقل حاضر، يُقبل بكليّته على الله عز وجل.
لكن هذه العبادة العظيمة لا تصح إلا إذا كان المسلم طاهرًا من الحدث الأصغر أو الأكبر؛ فالطهارة شرطٌ من شروط صحة الصلاة.
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].
وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» [رواه البخاري ومسلم].
حكم انتقاض الوضوء بالقيء
من الأعراض الشائعة خلال الحمل: القيء، والذي غالبًا ما يحدث نتيجة التغيرات الهرمونية في جسم المرأة.
وقد اعتبر جمهور الفقهاء القيء من النجاسات، وهذا مذهب الأئمة الأربعة: الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة، مع ملاحظة أن المالكية قصروا الحكم بالنجاسة على القيء المتغير عن حالة الطعام، أي الذي تغيّر طعمه أو لونه أو رائحته.
أما بخصوص أثر القيء على نقض الوضوء، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: القيء ينقض الوضوء إذا كان كثيرًا
وهذا هو مذهب الحنفية، والحنابلة في المشهور عنهم، مع اختلافهم في ضبط مقدار الكثرة:
• الحنفية قالوا: القيء إذا ملأ الفم ينقض الوضوء، بشرط أن يعجز المتقيّئ عن إمساكه فيفيض خارج فمه أو يمنعه من الكلام.
• الحنابلة اعتبروا معيار الكثرة أمرًا نسبيًّا، يختلف من شخص إلى آخر، بحسب ما تستقبحه أو تستهجنه نفوس عامة الناس من أمثاله، فلا يُعتبر وسواس الموسوسين.
أما القيء القليل عندهم، فلا ينقض الوضوء.
وقد قال الإمام الزبيدي الحنفي في “الجوهرة النيرة” (1/ 9):
“ففي الثلاثة الأُوَل (أي: ماء، وطعام، ودم) ينقض إذا ملأ الفم، ولا ينقض إذا كان أقل من ذلك”.
وقال البهوتي الحنبلي في “الروض المربع” (ص: 36):
“الكثير [من القيء] ما فَحُشَ في نفس كل أحد بحسبه”.
القول الثاني: القيء لا ينقض الوضوء مطلقًا
وهو مذهب المالكية والشافعية، فهم لا يرون القيء ناقضًا للوضوء سواء كان كثيرًا أو قليلًا، سائلًا أو غليظًا.
لكن الشافعية استحبوا الوضوء بعده من باب الاحتياط.
قال الشيخ المنوفي المالكي في “كفاية الطالب الرباني” (1/ 129):
“الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين المعتادين: القبل والدبر… أما ما يخرج من غيرهما كالفصد والقيء فلا ينقض”.
القول الثالث: التفصيل حسب نوع الخارج وصفته
بعض الفقهاء ميّزوا بين ما إذا كان القيء ناتجًا عن طعام متغير أو غير متغير، أو إذا كان فيه دم، أو كان مجرد بلغم، ولكل حالة عندهم حكم مختلف من حيث النجاسة والنقض