عاجل

شهد العالم خلال العقود الأخيرة تحولًا جذريًا في طريقة تداول المعلومات والتواصل، نتيجة للثورة الرقمية التي أنتجت ما يُعرف بـ"الإعلام الرقمي". لم يعد الإعلام مقتصرًا على الوسائل التقليدية كالصحف والتلفاز، بل أصبح يعتمد على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي والمدونات الرقمية، مما أدى إلى تغيير عميق في بنية الإعلام ودوره في المجتمعات. هذا التحول له تأثيرات عميقة ومتشعبة على الدول سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا وأمنيًا.
أدى الإعلام الرقمي إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الحكومات والمواطنين. فمن خلاله، أصبحت الشعوب أكثر قدرة على التعبير عن آرائها ومتابعة أخبار السياسة بشكل لحظي. كما لعب الإعلام الرقمي دورًا محوريًا في تحريك الاحتجاجات الشعبية في العديد من الدول، مثل "الربيع العربي"، حيث استخدمت وسائل التواصل كأدوات لتنظيم المظاهرات وتوجيه الرأي العام.
ومع ذلك، برزت تحديات خطيرة، من بينها انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة (Fake News)، مما يؤثر على استقرار الدول ويؤجج الانقسامات السياسية.
أحدث الإعلام الرقمي طفرة في الاقتصاد الرقمي، وفتح أبوابًا جديدة للاستثمار والإعلانات والتجارة الإلكترونية. فالشركات والدول أصبحت تعتمد عليه في الترويج للمنتجات والخدمات، مما عزز من العائدات الاقتصادية.
لكن في المقابل، أضر الإعلام الرقمي ببعض القطاعات التقليدية مثل الصحافة المطبوعة، وأدى إلى فقدان آلاف الوظائف، بالإضافة إلى سيطرة بعض الشركات التكنولوجية الكبرى على سوق الإعلانات العالمي، مما قد يُضعف من سيادة الدول اقتصاديًا.
ساعد الإعلام الرقمي على تعزيز التفاعل الاجتماعي وتبادل الثقافات بين الشعوب، كما أسهم في رفع الوعي بقضايا اجتماعية مهمة مثل حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، والعدالة الاجتماعية.
لكن في الوقت نفسه، تسبب في بعض التحديات مثل تآكل الخصوصية، وانتشار القيم الغربية على حساب الهويات الثقافية المحلية، وارتفاع معدلات الإدمان الرقمي لدى فئات الشباب، ما قد يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية
يمثل الإعلام الرقمي  سلاح ذا حدين، فهو من جهة أداة قوية للتقدم والتنمية، ومن جهة أخرى يحمل تحديات قد تهدد استقرار الدول إن لم تتم إدارته بشكل فعّال. ومن هنا، يجب على الدول تبني سياسات واضحة لتنظيم هذا الإعلام، ودعم الثقافة الرقمية، وتعزيز الوعي المجتمعي، بما يضمن الاستفادة من الفرص وتفادي المخاطر في عالم أصبح فيه الإعلام الرقمي قوة لا يُستهان بها.

تم نسخ الرابط