هذه الجملة العجيبة لم تصدر من عربي لأخيه العربي، ولا من مسلم لأخيه المسلم، ولا حتى من مسيحي، بل صدرت من لسان أكبر آفاق في العالم، وأكثر الرجال توحشًا في سفك دماء الأطفال والنساء بصفة خاصة، وكل الفلسطينيين بصفة عامة. هذا التصريح "كل الدعم لأخواتي" قاله بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، تعليقًا على المظاهرات التي تركزت أمام السفارة المصرية في تل أبيب وفي معظم السفارات المصرية في الغرب.
تخيل مظاهرة عربية ضد مصر بحماية جنود الاحتلال الإسرائيلي ومباركة كبيرهم الآفاق نتنياهو. المتظاهرون نددوا بمصر ورئيسها وطالبوا بفتح معبر رفح، واتهموا مصر بتجويع غزة وأهلها. وبما أننا صرنا في عالم الغي والضلال، فقد وجدت هذه المظاهرات من يصفق لها ويدعمها، وبالطبع إسرائيل أول الداعمين وأمها أمريكا، والكثيرون ممن يتكسبون بالشعارات ويسارعون في الانضمام لطوابير العهر والعار.
مظاهرة تل أبيب جرت في إسرائيل التي تحتل جنوب لبنان، وتتمركز في سوريا، وتلتهم فلسطين التهامًا، وصدق كنيست إسرائيل على ضم الضفة الغربية إلى الاستعمار الإسرائيلي الغاشم. المظاهرة قامت بأفواه عربية، ووجهت جم غضبها على مصر، وغضت طرفها عن عدوها الرئيسي، إسرائيل، تلك الدولة التي قتلت وأصابت وشردت عشرات الآلاف من أهل غزة، وتفرض عليهم حصارًا قاتلًا اتبعته بتجويع قاسي، وواصلت فيه إبادة جماعية لغزة وأهلها.
الحرب الإسرائيلية التي أوشكت على الدخول في عامها الثالث لم تقم أي مظاهرة عربية ضدها من قلب إسرائيل، إلا هذه المظاهرة، مظاهرة الفلسطينيين ضد مصر قيادة وشعبًا. هل تتخيل وتتصور مدى الخزي والعار أن يتظاهر العربي ضد بني جنسه على أراضٍ محتلة، ولا يتظاهر ضد المحتل؟ والخزي الأكبر والأعظم أن يحتمي بهذا المحتل المتظاهر العربي، ويصب جام غضبه على بلد يشهد التاريخ على ما قدمته من أجل العرب بصفة عامة، والفلسطينيين بصفة خاصة.
المؤامرة الكبرى تحاك وتواصل التخطيط ضد مصر بإشعال نار التظاهر والتكتل أمام السفارات، وإغلاقها من الخارج مع ترديد ألفاظ نابية لأشرف من خلق الله على ظهر هذه الأرض، المصريين أصل الحياة ومنتهاها، صناع التاريخ والحضارة. مصر، كما قيل، تمرض ولكنها لا تموت، لأنها الحياة التي ستنتهي عند قيام الساعة.
إلى كل المتظاهرين ضد مصر في جميع أنحاء العالم، اعرفوا عدوكم وتظاهروا ضده، فبلادنا لا تعادي أحدًا إلا من عاداها، وحاول المس بأمنها وأمن شعبها. تظاهروا كما تشاءون، ورددوا الألفاظ المسيئة والعبارات الشائنة، فنحن لن ندخل حربًا بالوكالة، وأنتم جالسون تتشدقون بعبارات الدعم من بعيد. تجمعوا وتجمهروا واشتموا، وتمنوا قول كبير الظالمين، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ساوم مصر صراحة على حل مشكلة سد النهضة مقابل تهجير الفلسطينيين في سيناء. اتخذوه كبيرًا لكم مع رفيقه نتنياهو، فنحن لا نهاب إلا الله، وبلادنا محفوظة من الرحمن وجنوده.
مصر قيادة وشعبًا وجيشًا تعلم جيدًا ما وراء كل ما تفعلونه من مظاهرات وبوابات إلكترونية تسيء إلى القاهرة، لأن الهدف من وراء كل ذلك لن يتحقق. كل ما عليكم أن تبحثوا عن معابر أخرى تؤدي إلى غزة، وهي كثيرة بخلاف معبر رفح. فتجمعوا عند سفارات هذه الدول وتظاهروا، فحينها ستعلمون حقًا من يدعمكم ومن يلقظكم.
وتذكروا دوماً أن ما قاله لكم نتنياهو من دعمه لكم لا يختلف كثيرًا عما قاله الشيطان لمريديه. عندما طالبهم بالكفر، ولما كفروا تنصل منهم وقال: "إنّي أخاف الله رب العالمين". ولأن نتنياهو لا يعرف ربًا ولا ينتمي إلينا ولا قيمًا، فلن يقول لكم إلا ما قاله قوم موسى: "اذهب أنت وربك فقاتلا إن هاهنا قاعدون".
مصر ليست مجرد دولة، ولكنها رمانة ميزان العالم كله. أقول قولي هذا وأعلم أن شهادتي مجروحة، ولكنني محملة بحب وطن أراه سيد العالم وتاجه الناصع البياض.