عاجل

من الأستانة إلى لندن.. كيف تسللت البنوك الأجنبية إلى قلب مصر؟

صورة تعبيرية للبنوك
صورة تعبيرية للبنوك الأجنبية

بينما كانت مصر في قلب صراعات النفوذ بين القوى العثمانية والبريطانية، تسللت البنوك الأجنبية إلى القاهرة والإسكندرية، وأحكمت قبضتها على مفاصل الاقتصاد لعقود.

وفي التقرير التالي نرصد بدايات تلك السيطرة المصرفية الأجنبية، من خلال تتبع مسارات البنك العثماني وباركليز بنك، باعتبارهما من أوائل المؤسسات المالية الأجنبية التي دخلت مصر في القرن التاسع عشر.

البنك العثماني أول موطئ قدم أجنبي

تأسس البنك العثماني (Ottoman Bank) عام 1856، وكان أول بنك أجنبي يحصل على ترخيص رسمي للعمل داخل مصر الخديوية.
البنك تأسس في لندن لكنه حصل على امتياز من الباب العالي (السلطان العثماني)، ومن ثم عمل في إسطنبول وبيروت والقاهرة، وكان دوره الأساسي هو إدارة الديون العثمانية وتنظيم العمليات المالية بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية.

وقد حصل البنك على صلاحيات واسعة في مصر، شملت إصدار الأوراق المالية وتقديم القروض للخديوي، وهو ما وضعه في قلب القرار المالي المصري.

وثيقة مؤرخة بتاريخ 1857، حصل عليها «نيوز رووم» من دار الوثائق القومية، توضح البنود التي مُنح بها البنك حق التعامل المباشر مع وزارة المالية الخديوية دون رقابة مصرية.

بنك باركليز الهيمنة البريطانية تبدأ من المصرف

في عام 1864، بدأت خيوط الوجود البريطاني المصرفي في مصر تتشكل مع تأسيس البنك الأنجلو إيچيبتيان (Anglo-Egyptian Bank)، والذي اندمج لاحقًا مع بنوك أخرى ليكوّن ما يعرف باسم باركليز DCO – Barclays Dominion, Colonial and Overseas.

هذا الكيان البنكي كان أداة مباشرة للهيمنة الاقتصادية البريطانية، وشارك في تمويل مشروعات قناة السويس، وتجارة القطن، وعمليات تمويل الاحتلال لاحقًا.

تشير الوثائق التي حصلت عليها «نيوز رووم» إلى أن بنك باركليز حصل على إعفاءات ضريبية، وامتيازات تتيح له تمويل الصفقات الحكومية الكبرى، ما أثار جدلاً واسعًا في البرلمان المصري آنذاك، دفع بعض النواب إلى المطالبة بإنشاء بنوك وطنية للحد من تغوّل المؤسسات الأجنبية.

تأثير البنوك الأجنبية على الاقتصاد المصري

أسهمت البنوك الأجنبية في تشكيل بنية مالية جديدة في مصر، لكنها أبقت على الفقراء والطبقات المتوسطة خارج دائرة الخدمات المصرفية.

البنك العثماني مثلاً، لم يكن يقدم خدماته إلا للتجار الكبار، والنخبة المرتبطة بالسلطة، فيما ركّز باركليز على تمويل المؤسسات الكبرى والشركات البريطانية العاملة في مصر.

وفي تحليل أجرته منصة «نيوز رووم»، تبين أن أكثر من 73% من القروض الممنوحة بين 1865 و1910 ذهبت لمشروعات زراعية مملوكة لأجانب، بينما ظل الفلاح المصري يعتمد على نظام "المرابي" المحلي أو البنوك الأهلية الصغيرة.

بداية المقاومة الوطنية للهيمنة البنكية

تزايد الوعي الشعبي بخطورة البنوك الأجنبية، وهو ما دفع الاقتصادي طلعت حرب إلى تأسيس بنك مصر عام 1920 كمحاولة لاستعادة القرار المالي المصري.

وأصدر البرلمان عدة توصيات بين 1930 و1947 تقيد من امتيازات البنوك الأجنبية، أبرزها قانون تنظيم عمل البنوك الأجنبية، ومطالبتها بالإفصاح عن تعاملاتها مع الحكومة.

نهاية حقبة وتأميم ثم عودة

في أعقاب ثورة يوليو 1952، قررت الحكومة المصرية تأميم كافة البنوك الأجنبية العاملة في مصر، ومن ضمنها بنك باركليز، وذلك في عام 1971.

لكن البنك عاد مجددًا في التسعينيات، وعمل تحت إشراف البنك المركزي المصري، حتى استحوذ عليه بنك وفا المغربي في صفقة تمت عام 2017.

تم نسخ الرابط