ديربي كتالونيا.. برشلونة و اسبانيول ..حين تتحول كرة القدم إلى حرب مقدسة
إسبانيول يطارد الكرامة وبرشلونة يبحث عن الهيمنة في ديربي كتالونيا

في كتالونيا، لا يُقاس الديربي بعدد البطولات ولا بقيمة الأسماء على الورق، بل بحرارة القلوب، ونبض المدرجات، وتاريخٍ مشحون بالصراع والرمزية،هناك، حيث تختلط السياسة بالهوية، والتاريخ بالكبرياء، يُولد ديربي كتالونيا بين برشلونة وإسبانيول؛ ديربي لا يعرف الرحمة، ولا يعترف بالفوارق، على أرض الملعب، يسقط كل شيء، تصمت الألقاب، وتتكلم الروح، إنها معركة شوارع ترتدي قميص كرة القدم، صراع طبقي وثقافي يتجدد كل موسم، حين يلتقي “الرمز القومي” لكتالونيا، نادي برشلونة، مع “الجار المتمرد” إسبانيول، الباحث دائمًاعن كسر الهيمنة وانتزاع الاحترام،في هذا الديربي، لا يكفي الفوز، بل يجب أن يكون موجعًا، مدويًا، وأن يترك أثرًا في الذاكرة
جذور العداء التاريخي.. السياسة والهوية
يرجع أصل العداء بين برشلونة وإسبانيول إلى عوامل تتجاوز حدود الملعب، حيث تعود جذور الخلاف إلى بدايات القرن العشرين، عندما تأسس كلًا من الناديين في ظروف مختلفة عكست تباينًا في الهوية والانتماء.
تأسس نادي برشلونة عام 1899 على يد مجموعة من الأجانب والكاتالونيين الذين سعوا لتكوين فريق يمثل الانفتاح والهوية الكتالونية الخاصة، بينما تأسس إسبانيول عام 1900 كمبادرة طلابية إسبانية بحتة، وحرص منذ بدايته على التأكيد على انتمائه “الإسباني” في مواجهة النزعة القومية الكتالونية المتصاعدة داخل برشلونة، وبلغ هذا التباين ذروته في عهد حكم الجنرال فرانكو، حيث كان برشلونة يُعتبر رمزًا للمقاومة الكتالونية ضد القمع المركزي، في حين اتُّهم إسبانيول، ولو جزئيًا، بالاقتراب من السلطة الإسبانية.
هذا التباين في الهوية لعب دورًا مهمًا في تأجيج العداء بين الجماهير، حيث ترى جماهير برشلونة أن إسبانيول يمثل “الضد” لكل ما يمثله ناديهم ثقافيًا وتاريخيًا، وفي المقابل، كان إسبانيول يسعى دائمًا لإثبات نفسه كممثل حقيقي لكاتالونيا، لكن دون الخضوع لرمزية برشلونة الطاغية.
أبرز النتائج التاريخية في ديربي كتالونيا
رغم أن برشلونة كان الطرف الأكثر تفوقًا على مدار التاريخ، فإن مباريات الديربي لم تخلو من مفاجآت ومواجهات نارية، و لعل أبرزها:.
إسبانيول 3-1 برشلونة “1997” من أشهر انتصارات إسبانيول على برشلونة، في وقت كان فيه البلاوجرانا يمر بفترة انتقالية، وشكّل هذا الفوز دفعة معنوية كبيرة لإسبانيول.
تعادل 2-2 “2007”هي المباراة الأشهر، أقيمت في ملعب كامب نو، حين سجل إسبانيول هدف التعادل في الدقائق الأخيرة عن طريق هدافه و قائده “ راؤول تامودو”، وهو ما كلف برشلونة لقب الليجا في ذلك الموسم لصالح عدوه اللدود ريال مدريد، وزاد من احتقان الجماهير ضد الغريم المحلي.
برشلونة 5-0 إسبانيول “2016 و2021” من أكبر الانتصارات التي حققها برشلونة في الديربي، حيث شهدت تألق النجم ليونيل ميسي الذي سجل أهدافًا وصنع أخرى، وكان بمثابة كابوس دائم لدفاع الغريم
إسبانيول 1-0 برشلونة “2024” آخر فوز رسمي لإسبانيول جاء في موسم شهد صعود الفريق من الدرجة الثانية، حيث استطاع فرض أسلوبه والحد من خطورة خط هجوم غريمه، في واحدة من أبرز مفاجآت الموسم.
اللاعبون الذين ارتدوا قمصان الناديين
رغم الحساسية الكبيرة بين الناديين، إلا أن بعض اللاعبين ارتدوا قميص الفريقين، وهو ما كان يثير دائمًا جدلاً بين الجماهير، خاصة أن الانتقال بين الخصمين يُنظر إليه باعتباره “خيانة” لدى فئة من المشجعين.
إيفان دي لا بينيا ،أحد أبرز لاعبي الوسط الإسبان في تسعينات القرن الماضي، بدأ مسيرته مع برشلونة ثم انتقل لاحقًا إلى إسبانيول، حيث أصبح قائدًا للفريق وواحدًا من أساطيره.
جيرارد لوبيز، لعب لفريق برشلونة في فترة بدايته ثم عاد لاحقًا لتمثيل إسبانيول، وكان من اللاعبين الذين حافظوا على احترام الجماهير رغم تمثيلهما للغريمين.
فيكتور سانشيز، نشأ في برشلونة لكنه صنع لنفسه اسمًا في إسبانيول، حيث لعب لسنوات عديدةوكان قائدًا للفريق.
فيليبي كايسيدو،لعب فترة قصيرة مع برشلونة، ثم وجد فرصته لاحقًا مع إسبانيول، حيث سجل بعض الأهداف المهمة في مباريات الديربي.
خوان جارسيا ، حارس المرمى المنتقل حديثًا مع بداية هذا الموسم من اسبانيول إلى غريمه برشلونة ، في صفقة أثارت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الإجتماعي بين جماهير الناديين
ديربي متجدد رغم الفجوة الفنية
رغم أن الفجوة الفنية والمالية بين برشلونة وإسبانيول اتسعت كثيرًا خلال العقدين الأخيرين، خاصة مع دخول برشلونة عصر “التيكي تاكا” والنجاحات الأوروبية، إلا أن مباريات الديربي لا تزال تتمتع بخصوصيتها وحرارتها، فإسبانيول دائمًا ما يدخل اللقاء بدوافع مضاعفة لإثبات الذات أمام العملاق الكتالوني، فيما يعلم البلاوجرانا أن أي تعثر أمام الجار يعتبر“كارثة” في نظر جماهيره.
أخيرًا، ديربي كتالونيا ليس مجرد مباراة كرة قدم، بل هو لقاء محمّل بالرمزية، والصراعات الثقافية، وتاريخ طويل من التنافس والندية، سيظل محتدمًا مهما اختلفت الظروف