تحسن محدود في بعض السلع
الأسعار تهبط.. فهل ترتفع جودة حياة المواطن ؟ خبراء تجيب

يشهد السوق المصرية حالة من الترقب والاهتمام، بعد التصريحات التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، والتي أكد فيها أن الحكومة بدأت في السيطرة على أسعار السلع والعمل على خفضها تدريجيًا، بالتوازي مع جهود ضبط الأسواق وتوفير المنتجات للمواطنين بأسعار مناسبة.
التصريحات الحكومية جاءت بعد شهور من الضغوط التضخمية التي أثرت على دخول الأسر، والتي تسببت في تآكل القدرة الشرائية للمواطنين ، وهو ما فتح باب التساؤل، هل سيؤدي تراجع أسعار السلع إلى تحسن حقيقي في مستوى معيشة المصريين؟ وهل هذا التراجع مؤقت أم بداية لمسار اقتصادي أكثر استقرارًا؟
وفي تصريحات صحفية سابقة ، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الدولة تعمل بشكل مكثف على ضبط أسعار السلع، خاصة الأساسية منها، من خلال التنسيق المستمر مع البنك المركزي، ووزارة التموين، والغرف التجارية، وسلاسل التوزيع.
وقال خبراء اقتصاديون إن هذا التراجع يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الأمل الحقيقي يكمن في تحقيق استقرار مستدام، قائم على إصلاح اقتصادي شامل، ودعم حقيقي للإنتاج المحلي، وإجراءات عملية تضمن وصول الأثر الإيجابي إلى كل بيت مصري.
وأكدوا في تصريحات خاصة أن المواطن في نهاية المطاف، لا يطالب إلا بـ"حياة كريمة"، يستطيع فيها تلبية احتياجاته دون قلق دائم من الأسعار.
في وتقرير خاص لـ«نيوز رووم» يستعرض أبرز المؤشرات على الأرض، وننقل آراء الخبراء والمواطنين، ونحلل التأثير المحتمل لتراجع الأسعار على الحياة اليومية.
ما رأي الخبراء؟
وفي سياق متصل قال عز حسانين الخبير الأقتصادي إن التراجع في الأسعار يُعد مؤشرًا إيجابيًّا، لكنه لا يكفي وحده لتحسين مستوى المعيشة، موضحًا أن تحسين الحياة اليومية للمواطن لا يتوقف فقط على انخفاض الأسعار، بل على استمرار هذا الانخفاض، وثبات الأسعار، وتحقيق توازن بين الأجور وتكلفة المعيشة.
وأكد «حسانين» أن الحكومة بحاجة إلى العمل على رفع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، حتى لا تعود الأسعار للارتفاع مع أي أزمة عالمية أو محلية.
ومن جهة أخري، يري اشرف غراب الخبير الاقتصادي أن تراجع الأسعار مرتبط باستقرار السياسات النقدية، مشيرًا إلى أن تحسن سعر الجنيه أمام الدولار ساعد في خفض تكلفة الاستيراد، وبالتالي بدأت بعض السلع تنخفض، لكن يجب استغلال هذه الفرصة لتوسيع الصناعة المحلية.
وأوضح أن تراجع أسعار بعض السلع الأساسية مؤخرًا جاء نتيجة مباشرة لحزمة من السياسات التي اتخذتها الدولة، وعلى رأسها توفير الدولار للاستيراد، وضخ كميات كبيرة من السلع في المنافذ الحكومية، والتنسيق الفعّال بين الحكومة والبنك المركزي لضبط الأسواق.
وأضاف غراب أن الإجراءات الحكومية ساهمت في خفض معدلات التضخم، واستعادة الثقة في السوق المحلي، مشيرًا إلى أن هذا التحسن بدأ ينعكس تدريجيًّا على حياة المواطنين، خاصة في ما يتعلق بتكلفة الغذاء اليومية.
وشدد غراب على أن استدامة انخفاض الأسعار تعتمد بشكل رئيسي على دعم المنتج المحلي وتوسيع القاعدة الصناعية، مشيرًا إلى أن الاعتماد على الاستيراد وحده يجعل السوق عرضة للتقلبات العالمية.
وتابع: "نحتاج إلى تحفيز الصناعة الوطنية وتقديم تسهيلات للمصنعين المحليين، خاصة في قطاعي الغذاء والدواء، حتى تكون لدينا قاعدة إنتاج قوية قادرة على تلبية الطلب المحلي، والمنافسة في السعر والجودة، وبالتالي حماية السوق من الصدمات المفاجئة."
مؤشرات الأسعار في الأسواق
وفي جولة ميدانية لموقع «نيوز رووم» تبين حدوث تراجع نسبي في أسعار بعض السلع الأساسية، لا سيما في المجمعات الاستهلاكية والسلاسل الكبرى، حيث انخفضت أسعار بعض المنتجات بنسبة تتراوح بين 10% إلى 25%.
أبرز السلع التي شهدت انخفاضًا:
الخضروات والفاكهة: تراجعت أسعار البطاطس، والطماطم، والبصل، والموز، مقارنة بشهري مايو ويونيو الماضيين.
السلع التموينية: شهدت أسعار الزيت والسكر والأرز استقرارًا في بعض المناطق، مع انخفاض طفيف في مناطق أخرى.
اللحوم والدواجن: بدأت تشهد انخفاضًا تدريجيًّا في أسعارها، خاصة بعد مبادرات الدولة لضخ كميات كبيرة بأسعار مخفضة.
الذهب والدولار: انخفض سعر الذهب بعد استقرار سعر الصرف وتراجع سعر الدولار، مما أثر على أسعار بعض المنتجات المستوردة.
المواطنون يتحدثون
وفي إطار رصد آراء المواطنين حول ما إذا كانوا قد شعروا فعليًا بتحسن في الأسعار، ومدى انعكاس ذلك على حياتهم اليومية، تجولت عدسة «نيوز رووم» في عدد من الأسواق الشعبية، و استطلعت آراء عدد من المواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية.
منى محمود، ربة منزل تبلغ من العمر 42 عامًا، تقول: "لاحظت انخفاضًا في أسعار بعض الخضروات، خاصة الطماطم والبطاطس، لكن لا تزال سلع أخرى مثل الزيت واللحوم تحتفظ بأسعار مرتفعة. نأمل في مزيد من التحسن خلال الفترة المقبلة."
أما عماد السيد، موظف في القطاع الخاص ويبلغ من العمر 35 عامًا، فيعلق قائلًا: "أشعر بأن الأسعار بدأت تستقر، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي، لأننا كنا نواجه زيادات متكررة كل أسبوع. ومع ذلك، لا يزال الدخل غير كافٍ لتلبية جميع احتياجات الأسرة."
بينما ترى هالة فوزي، موظفة حكومية تبلغ من العمر 50 عامًا، أن التراجع في الأسعار محدود وغير مؤثر بشكل كبير، وتقول: "هناك بعض الانخفاض في الأسعار، لكنه ليس بالقدر الذي ينعكس بوضوح على مصروفات المنزل. نحن بحاجة إلى استقرار طويل الأمد، وليس مجرد انخفاض مؤقت قد لا يستمر."
التأثير المحتمل على مستوى المعيشة :
1. تحسن القدرة الشرائية:
مع انخفاض أسعار بعض السلع، أصبح لدى المواطن مساحة مالية أكبر لتلبية الاحتياجات الأساسية، وربما التوفير أو شراء سلع كان يؤجلها سابقًا.
2. الاستقرار النفسي والاجتماعي:
ثبات الأسعار يمنح المواطنين إحساسًا بالأمان، ويقلل من التوتر الناتج عن التقلبات اليومية في الأسواق.
3. إعادة توزيع الإنفاق:
انخفاض تكلفة بعض البنود الأساسية قد يسمح للأسر بتوجيه جزء من ميزانيتها إلى التعليم، أو الرعاية الصحية، أو حتى الترفيه.
4. دعم الفئات الأكثر احتياجًا:
في حال استمرار الانخفاض، قد يشعر محدودي الدخل وأصحاب المعاشات بارتياح أكبر، خاصة مع استمرار الدعم التمويني.
تحديات لا تزال قائمة :
رغم التحسن الظاهري، هناك عدة تحديات قد تعرقل استدامة هذا التحسن ضعف الرقابة في بعض الأسواق، ما يسمح بوجود تفاوت في الأسعار من منطقة لأخرى.
الاحتكار أو التلاعب من قبل بعض التجار، خاصة في السلع غير الخاضعة للتسعير الإلزامي.
عدم كفاية الوعي لدى بعض المواطنين بكيفية الاستفادة من المبادرات الحكومية.
البطء في انتقال أثر الانخفاض من السلاسل التجارية الكبرى إلى الأسواق الشعبية.
توصيات الخبراء لضمان استمرار التحسن
1. استمرار الرقابة التموينية الفاعلة، ومحاسبة المخالفين والمتلاعبين.
2. التوسع في المنافذ الحكومية، والوصول إلى المناطق الريفية والنائية.
3. رفع مستوى الشفافية في التسعير، وإطلاق نشرات توعوية بأسعار المنتجات.
4. دعم المنتج المحلي وتيسير الاستيراد للسلع التي لا تنتج محليًّا.
5. تحسين الأجور، بما يتماشى مع تكلفة المعيشة الفعلية، حتى يشعر المواطن بأثر أي تحسن اقتصادي.
لا شك أن تراجع أسعار السلع الأساسية يمثل إشارة إيجابية ومصدر ارتياح نسبي للمواطن المصري، الذي عانى خلال الأشهر الماضية من ارتفاع كبير في الأسعار، وتراجع في قدرته الشرائية.