الإدمان الجديد: الإفراط في مشاهدة المسلسلات يهدد نمط الحياة.

لم تعد مشاهدة المسلسلات مجرد وسيلة للترفيه أو قضاء وقت الفراغ، بل أصبحت بالنسبة للكثيرين عادة يومية، بل وإدمانًا قد يمتد لساعات طويلة من اليوم. مع توافر منصات العرض مثل نتفليكس، شاهد، واتش إت، وغيرها، أصبح الوصول إلى الحلقات متاحًا في أي وقت، مما شجّع ملايين الأشخاص على متابعة مسلسل تلو الآخر دون توقف، فيما يُعرف اليوم بـ"المشاهدة الماراثونية" أو Binge Watching. ورغم المتعة التي يشعر بها المشاهد في اللحظة، إلا أن الدراسات النفسية والطبية بدأت تُشير إلى أضرار حقيقية لهذه العادة إذا خرجت عن السيطرة.
فالإفراط في مشاهدة المسلسلات قد يؤدي إلى اضطراب النوم، الشعور بالإرهاق، انخفاض التركيز، وتراجع الأداء الدراسي أو المهني، خاصة لدى الفئة العمرية من 18 إلى 35 عامًا، وهي الأكثر ارتباطًا بالمنصات الرقمية. كما تؤثر تلك العادة على الحياة الاجتماعية، إذ يختار البعض البقاء في غرفهم لساعات طويلة على حساب الخروج أو التواصل المباشر مع الأهل والأصدقاء، مما يعزز الشعور بالعزلة.
تشتّت، توتر، ومقارنة مزيفة: التأثيرات النفسية أخطر مما نتوقع
يشير أطباء نفسيون إلى أن متابعة المسلسلات لساعات متواصلة قد تؤدي إلى سوء تنظيم المشاعر، خاصة مع النوعيات التي تُركّز على الدراما المكثفة، الجريمة، أو العلاقات المعقدة، حيث يبدأ العقل الباطن في التفاعل مع الأحداث وكأنها واقعية. وهذا الانغماس العاطفي قد يؤدي إلى التوتر، القلق، أو حتى الإحباط في بعض الأحيان، خصوصًا إن كان المشاهد يمر بفترة حساسة نفسيًا أو اجتماعيًا.
من ناحية أخرى، فإن التعرّض المستمر لصور مثالية في المسلسلات – سواء في المظهر أو العلاقات أو أسلوب الحياة – قد يُشجّع على المقارنة السلبية مع الذات، مما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات، خاصة عند المراهقين. كذلك، فإن إهمال الأنشطة البدنية بسبب الجلوس الطويل أمام الشاشة يُضعف الصحة العامة، ويزيد من فرص الإصابة بأمراض مزمنة مثل السمنة وآلام الظهر والرقبة.
الحل لا يكمن في التوقف عن المشاهدة تمامًا، بل في تنظيم الوقت ووضع حدود معقولة. مثلًا: حلقة أو حلقتان يوميًا في وقت الفراغ، دون أن يؤثر ذلك على ساعات النوم، العمل، أو الحياة الاجتماعية. كما يُنصح بتجنب المشاهدة في السرير، أو أثناء الأكل، وربطها دائمًا بمكان وزمن محددين.
الترفيه مهم وضروري للهروب من ضغوط الحياة، ولكن الإفراط فيه قد يتحوّل إلى عبء. فالمسلسلات تُروى لتسلينا، لا لتُسيطر على وقتنا، ومتى توازنّا في استهلاكها، حافظنا على متعة المشاهدة دون أن ندفع ثمنها من صحتنا النفسية والجسدية.