التوبة والرحمة الإلهية.. كيف يعالج الإنسان نفسه من الخطيئة دون جلد الذات؟

في ظل ما يعانيه الإنسان المعاصر من ضغوط نفسية وشعور دائم بالذنب والندم، يؤكد القرآن الكريم والسنة النبوية على أن الرحمة الإلهية والتوبة هما طوق النجاة الذي يعيد للنفس البشرية طمأنينتها ويمنحها فرصة جديدة للبدء من جديد.
الإنسان، بطبيعته، غير معصوم من الخطأ، والخطيئة جزء من تركيب النفس البشرية، إلا من اصطفاهم الله برسالاته. وهذا ما جاء في الحديث النبوي الشريف: «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون» (رواه الترمذي)، في إشارة واضحة إلى أن الخطأ ليس نهاية الطريق، بل إن الرجوع إلى الله بالتوبة هو السبيل إلى الإصلاح والتطهر.
وتظهر السيرة النبوية نماذج عملية لهذه الرحمة، ومنها قصة الصحابي الذي جاء إلى النبي ﷺ معترفًا بذنبه حين واقع زوجته في نهار رمضان، فتدرّج معه النبي ﷺ في الكفارات، حتى انتهى به الأمر إلى إعفائه، بل وأعطاه تمرًا ليطعمه لأهله.
مشهدٌ إنساني يُجسد عظمة التسامح الإلهي، ويؤكد أن الشريعة وضعت الكفارات لا لتأنيب الإنسان، بل لتطهيره ومساعدته على تخطي الشعور بالذنب، والعودة إلى حياته بشكل أكثر اتزانًا.
وفي حديث آخر يُظهر الرحمة الربانية، قال رسول الله ﷺ: «لَلَّهُ أفرحُ بتوبة عبدِه من رجلٍ نزلَ منزلًا بهِ مهلَكةٌ...» (رواه البخاري)، في تصوير بليغ لفرح الله بعبده التائب، مثل فرح رجل كاد يهلك في صحراء، ثم وجد راحلته التي تحمل طعامه وشرابه.
التوبة شرفٌ للنفس وفتح لباب الرجاء
وفي تعليقه على هذه المعاني، قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية السابق، إن الإسلام لا يدعو إلى جلد الذات، بل إلى مصارحتها بالخطأ وتطهيرها بالتوبة والعمل الصالح.
وأضاف:
"الله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة على مصراعيه، ووعد عباده بالمغفرة مهما عظمت ذنوبهم، ما داموا قد صدقوا في الرجوع إليه، وهذا يعطي للإنسان أملًا دائمًا في إصلاح نفسه، ومواصلة مسيرته في الحياة بروح منفتحة، لا مثقلة باليأس أو الشعور بالندم المدمر".
وأشار فضيلته إلى أن كثرة الاستغفار كما ورد في السنة النبوية، وسيلة فعالة للتوازن النفسي والتسامح مع الذات، وهي من أهم أسباب الطمأنينة والسكينة القلبية.
رسالة إلى المجتمع
يقدّم الإسلام من خلال هذه المعاني رسالة متكاملة تقوم على مبدأ الرحمة، وتدعو إلى التسامح مع النفس والآخرين، دون تفريط في محاسبة الذات أو تهوين من الذنوب، بل بتوازن يضمن إصلاح الفرد، ومن ثم صلاح المجتمع.