تقنية جديدة ترصد الوسواس القهري داخل الدماغ بدقة مذهلة

الوسواس القهري هو اضطراب نفسي مزمن وشائع يصيب نسبة كبيرة من الأفراد، ويتميّز بأفكار غير مرغوب فيها تُعرف بالهواجس، وسلوكيات متكررة تُعرف بالأفعال القهرية، يصعب على المريض مقاومتها أو التوقف عنها، رغم إدراكه أنها غير منطقية. وتؤثر هذه الحالة بشكل كبير على جودة حياة المريض اليومية، بما في ذلك علاقاته الشخصية والاجتماعية والمهنية.
في دراسة علمية حديثة أجراها باحثون من المعهد الهولندي لعلوم الأعصاب بالتعاون مع جامعة أمستردام الطبية، تم التوصّل إلى اكتشاف مهم يُعدّ نقلة نوعية في فهم الوسواس القهري. ووفق ما نُشر في دورية «الصحّة النفسية الطبيعية»، تم رصد مؤشّرات عصبية داخل الدماغ ترتبط مباشرة بالسلوك القهري، ما يفتح الباب أمام تطوير علاجات ذكية لا تُفعّل إلا عند الضرورة.
كيف يحدث الوسواس القهري داخل الدماغ؟

يعاني مرضى الوسواس القهري من خلل في الدائرة العصبية المسؤولة عن التنسيق الحركي والسلوكي، والتي تشمل القشرة المخية، والمخطط، والمهاد. هذه المناطق تعمل بتناغم في الدماغ الطبيعي، لكنها تتداخل بشكل غير منتظم لدى مرضى الوسواس، ما يؤدي إلى ظهور الأفكار القهرية والسلوكيات التكرارية غير المرغوب فيها.
تجربة علمية داخل أدمغة المرضى

اعتمد الباحثون في الدراسة على تقنية التحفيز العميق للدماغ، وهي طريقة علاجية معروفة لحالات الوسواس الشديدة. لكن الجديد في هذه التجربة أنهم لم يستخدموا الأقطاب لتحفيز الدماغ مباشرة، بل للاستماع إلى إشاراته. وقد طُلب من المرضى استحضار أفكار قهرية عمداً، مثل لمس أشياء ملوّثة، دون أن يُسمح لهم بغسل أيديهم، بينما كانت أجهزة التسجيل تراقب نشاط الدماغ بدقة عالية.
موجات دماغية تفضح السلوك القهري
أظهرت النتائج أن موجات "ألفا" و"دلتا" في الدماغ تنشط بشكل ملحوظ خلال اللحظات التي يظهر فيها السلوك القهري، مما يشير إلى أن هذه الموجات قد تكون بمثابة "توقيع عصبي" لحالة الوسواس القهري. وتُعدّ هذه المرة الأولى التي يتم فيها ربط النشاط العصبي الدقيق بهذا الاضطراب النفسي بطريقة مباشرة وواقعية.
نحو علاج ذكي لا يعمل إلا عند الحاجة
ما يجعل هذا الاكتشاف بالغ الأهمية هو إمكانية استخدامه لتطوير جهاز تحفيز دماغي ذكي، لا يعمل بشكل مستمر كما هو الحال حالياً، بل يُفعَّل تلقائياً عند رصد موجات دماغية معينة تشير إلى سلوك قهري وشيك. هذا الأسلوب الجديد يمكن أن يُحسّن نتائج العلاج ويقلّل من آثاره الجانبية، ويوفّر حلولاً شخصية تلائم حالة كل مريض بدقة.
مستقبل علاجات الصحة النفسية
يرى العلماء أن هذا التطور يمهد الطريق لعصر جديد من العلاجات النفسية التي تعتمد على إشارات الدماغ بدلاً من الأعراض الظاهرة فقط. فبفضل هذه التقنية، قد يصبح من الممكن التنبؤ بحالة الوسواس القهري قبل أن تتفاقم، والتدخل العصبي في الوقت المناسب.