في ذكرى وفاة رشدي أباظة.. "نجم النجوم" الذي جمع بين الوسامة والموهبة

تحلّ اليوم، الأحد 27 يوليو، الذكرى الـ45 لوفاة الفنان الكبير رشدي أباظة، أحد أبرز نجوم السينما المصرية في القرن العشرين، وصاحب الحضور الآسر الذي جعل اسمه يتجاوز حدود زمنه، ليظل محفورًا في ذاكرة الأجيال وقلوب عشاق السينما، عبر مسيرة امتدت لقرابة ثلاثة عقود، نجح أباظة في تثبيت مكانته كأحد رموز الشاشة الذهبية، بتوازن نادر بين الموهبة الفطرية، والكاريزما، والتنوع الفني.
نشأة أرستقراطية وبداية هادئة
وُلد رشدي سعيد بغدادي أباظة في 3 أغسطس 1926 لعائلة أرستقراطية مصرية ذات جذور متعددة الثقافات؛ فوالده كان ضابطًا مصريًا رفيع المقام، بينما كانت والدته إيطالية الأصل، وهو ما منحه ملامح أوروبية ممزوجة بسحر شرقي خاص، ساعده في كسر النمط السائد في أشكال النجوم خلال تلك المرحلة.
ورغم أن وسامته اللافتة كانت بوابة دخوله عالم السينما، إلا أن ما ثبّته كنجم دائم لم يكن مظهره فقط، بل موهبته الكبيرة وقدرته على التطور والاختيار الذكي لأدواره، التي تنقّل فيها بين العاشق، والشرير، والمثقف، والمجرم، والمحارب.
بداية متواضعة… وانطلاقة مدوية مع “تمر حنة”
بدأ الفنان رشدي أباظة مشواره الفني بأدوار صغيرة في أفلام مثل “رد قلبي” و*“جعلوني مجرمًا”* و*“حياة أو موت”*، لكنها لم تمنحه بعد المساحة التي تُبرز قدراته. كانت البداية الحقيقية حين اختاره المخرج حسين فوزي لدور بطولة في فيلم “تمر حنة” عام 1957، أمام النجمة نعيمة عاكف.
في هذا العمل، قدّم شخصية “حسن الغجري”، الرجل الغامض الذي يعيش بين الغجر وتربطه علاقة بالبطلة، قبل أن تقع الأخيرة في غرام شاب ثري (جسده أحمد رمزي). أداؤه جذب انتباه الجمهور والنقاد، وفتح له أبواب البطولة المطلقة.
“امرأة في الطريق”… نقطة تحوّل
تألق رشدي أباظة في فيلم “امرأة في الطريق” (1958) الذي كتبه عبد الحي أديب وأخرجه عز الدين ذو الفقار، وهو العمل الذي جاء بعد اعتذار النجم فريد شوقي، ما منح أباظة فرصة ذهبية. لعب دور “صابر”، الشاب الذي يعاني من كره والده وتفضيله لأخيه (شكري سرحان)، ويتعرض لمحاولات إغواء من زوجة شقيقه، لكنه يرفض بشجاعة أخلاقية.
كان أداءه في هذا الفيلم بمثابة تأكيد قاطع على نضجه الفني وقدرته على تقديم شخصيات معقّدة. وقد ذكر المخرج عز الدين ذو الفقار لاحقًا أنه كان سعيدًا بقراره بتبديل الأدوار، حيث أبدع رشدي أباظة في دور “صابر”، رغم أن الدور كان في الأصل لشكري سرحان.
أدوار خالدة في ذاكرة السينما
من بعد “فيلم امرأة في الطريق”، انفجرت موهبة رشدي أباظة على الشاشة، وتوالت عليه الأدوار التي أظهرت مرونة أدائه واتساع طاقته التعبيرية. قدم شخصيات لا تُنسى في أفلام مثل:
• “الرجل الثاني” (1959) بدور “عصمت كاظم”، أحد أدواره الأيقونية في أفلام الجريمة.
• “صراع في النيل” أمام عمر الشريف، حيث جسد شخصية الصعيدي المتمرد.
• “شيء في صدري” (1961)، في تجربة إنسانية فلسفية.
• “الزوجة 13”، كوميديا اجتماعية تُعد من كلاسيكيات السينما.
• “في بيتنا رجل”، حيث قدّم دور “عبد الحميد زاهر”، الرجل المتردد بين التقاليد والمبادئ.
كما تميّز في الأفلام التاريخية مثل “وا إسلاماه”، حيث أدى شخصية القائد “بيبرس” باقتدار يُحسب له، مؤكدًا أنه لا ينحصر في دور “الفتى الوسيم” فقط، بل قادر على تجسيد التاريخ والأبعاد السياسية.
حياة رشدي أباظة الشخصية
على الصعيد الشخصي، عاشت حياة رشدي أباظة تحت الأضواء، وكانت محطّ اهتمام الصحافة، خصوصًا بسبب زيجاته المتعددة. كان أبرزها زواجه من الفنانة سامية جمال، الذي استمر لأكثر من 18 عامًا، واعتبر من أنجح الزيجات في الوسط الفني. كما تزوج لفترة قصيرة من الفنانة تحية كاريوكا، إضافة إلى زواجه من أمريكية تُدعى باربرا، التي أنجب منها ابنته الوحيدة قسمت.
رغم مظهره الصارم وشخصياته القوية، كان معروفًا بين زملائه بروحه المرحة، وصداقاته القوية مع نجوم جيله مثل عمر الشريف وأحمد رمزي، وشُهد له بالكرم والوفاء وطيب المعشر.
رحيل مبكر ونهاية أسطورية
في يوم 27 يوليو 1980، رحل رشدي أباظة عن عمر ناهز 53 عامًا، بعد صراع مرير مع مرض السرطان. وعلى الرغم من قصر عمره الفني نسبيًا، إلا أنه ترك إرثًا ضخمًا من الأفلام والتجارب التي لا تزال تعرض حتى اليوم، وتُدرّس كمراجع في الأداء والإخراج.
ظل اسمه يُذكر بلقب “نجم النجوم”، الذي كانت تلصقه به شركات الإنتاج على ملصقات الأفلام، لما يتمتع به من جماهيرية وموهبة متكاملة، جعلته أيقونة لا تبهت.
وبعد مرور 45 عامًا على رحيله، لا تزال أفلام رشدي أباظة تُعرض وتُستعاد، ليس فقط لحضورها الترفيهي، بل لقيمتها الفنية والإنسانية. لقد كان مدرسة تمثيل قائمة بذاتها، جمع بين الانضباط والمشاعر، وبين النُبل والقوة، وكان يعرف كيف يُطوّع كل دور ليصبح حالة مستقلة لا تُشبه غيرها.