عاجل

نقاب وحقنة أنسولين.. أول تعليق من مرصد الأزهر على واقعة سيدة منفلوط

سيدة منتقبة
سيدة منتقبة

قال مرصد الأزهر إنه في اليومين الماضيين، تسابقت صفحات السوشيال ميديا على عرض قصة سيدة منفلوط .. موظفة مثل آلاف الموظفات في طريقها إلى عملها ولأنها تعاني من داء السكري تحرص على حمل حقنة أنسولين في حقيبتها دومًا، لكن تغير الروتين اليومي لهذه الموظفة بعد رؤية سريعة لما تحتويه حقيبتها من طفل صغير يجلس بجوارها هو ابن سائق "التوك توك" الذي فزع بمجرد رؤية الحقنة وأخذ في الصراخ!

وتابع: ليست المأساة هنا في قصة سيدة منفلوط أنها اتُهمت ظلمًا أو تعرضت للضرب من بعض المارة فقط، بل المأساة الأعمق تكمن في كيف ولماذا حدث ذلك ..

 أول تعليق لمرصد الأزهر على واقعة سيدة منفلوط

وأوضح المرصد أنها قصة تكشف عن عدو خفي لا يقل خطورة عن الأسلحة متمثل في "الصورة الذهنية" المشوهة التي تسكن العقول وتتحكم في ردود الأفعال، وكيف تحولت النظرة إلى أداة للعلاج كـ "الحقنة" إلى "دليل إدانة"، وملبسًا كـ "النقاب" اختارته بمحض إرادتها إلى تصور أنه "قناع لمجرمة"!

النقاب والحقنة كانا المتهمين الرئيسين في الواقعة وليست السيدة .. ببساطة (سيدة منتقبة، وفي حقيبتها حقنة) مشهد تبلور سريعًا في عقل سائق "التوك توك" ثم في عقول المارة، بفعل صرخات طفل بريء .. ما رأوه جميعا كان ترجمة فورية لصورة نمطية ترسخت عبر سنوات من التلقين السلبي.

الحقنة: لم تعد أداة لحقن الإنسولين وإنقاذ حياة مريضة سكر. بل تحولت في لحظة إلى رمز للخطر، ارتبطت في الأذهان بالمخدرات أو الاعتداء أو الخطف .. لتطغى الصورة الذهنية "المرعبة" على حقيقة الأداة الطبية.

أما النقاب: اتفقنا أو اختلفنا عليه لم يعد خيارًا شخصيًا بل تحول في سياق الخوف إلى قناع يزيد من الشك والريبة حول من ترتديه ويضع صاحبته فورًا في دائرة "المشتبه به".

إذا في هذه الواقعة لم تكن سيدة منفلوط من تُحاكَم، بل الرموز التي تحملها وترتديها!

لقد حوّلها المجتمع إلى مجرد انعكاس لأسوأ مخاوفه وأحكامه المسبقة. فصرخة الطفل لم تكن خوفًا من السيدة فقط بل خوفًا من "الصورة" التي رآها في ذهنه، ورد فعل السائق والمحيطين به لم يكن دفاعًا عن الطفل، بل استجابة "عمياء" لصورة الخطر التي استدعتها الحقنة والنقاب معًا.

ما حدث هو تجسيد حي ومصغر لما يحاربه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ليس في وطننا مصر فقط بل في العالم كله .. فالتطرف لا يشترط أن يبدأ بحمل السلاح، بل يكفي فكرة مغلوطة، وصورة ذهنية "مشوهة" وحكم مُسبق ليقفز الإنسان بتفكيره متخطيًا مراحل مهمة مسؤولية عن اتزان رد الفعل في ثوانٍ معدودة دون المرور بأبسط خطوات التفكير السليم مثل: التساؤل: ما هذه الحقنة؟

الاستيضاح: لماذا تحملها في حقيبتها؟

التثبت: لم ينتظر أحد ليتحقق من حقيقة الأمر بل تدافع الجميع في لحظة من الشك إلى اليقين!

لطالما حذرنا من إلغاء مرحلة "العقل" عند التعامل مع أي حدث أو فكرة .. وتجاوز مرحلة "التحقق" إلى إصدار أحكام نهائية قائمة على الظن وما ترسخ في الأذهان من صور نمطية سلبية ..

وقال المرصد إن مهمتنا ليست فقط تفنيد الشبهات الدينية، بل هي بالأساس مهمة فكرية تهدف إلى إعادة بناء منهجية التفكير السليم التي تحمي المجتمعات من مثل هذه الأحداث .. فعملنا اشبه بـ "حقنة إنسولين" لكن فكرية للمجتمع، تضبط مستوى "الجهل" و"الاندفاع" الذي إذا ارتفع، أصاب العقل الجمعي بغيبوبة عن الحق والعدل.

فنحن ندعو إلى ما افتقدته هذه الواقعة: التريث،  وإعلاء قيمة السؤال النابع من تفكير عقلاني .. بعدما أصبحت الأحكام تسبق التفكير!

والآن السيدة بريئة لكن الضرر قد وقع بالفعل .. وحكاية سيدة منفلوط ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي جرس إنذار لنا جميعًا فهي تضعنا وجهًا لوجه أمام مسؤوليتنا في تفكيك الصور الذهنية الخاطئة التي نتبناها، وتعلم أن نحكم على الناس بما هم عليه، لا بما تمليه علينا أحكامنا المسبقة .. إنها دعوة لنشر الوعي الذي يمثله مرصد الأزهر، حتى لا يتحول "الدواء" في يد بريء إلى "تهمة" في عقل مندفع يجهل بواطن الأمور ..

ولنعلي معًا قيم حثنا عليها إسلامنا كما جاء قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (سورة الحجرات).

وشدد مرصد الأزهر: لن نعرض صورة أو فيديو للسيدة الفاضلة لأن مسؤوليتنا نشر الوعي أولاً وأخيرًا لا الترويج للأحداث أو نشر صور أصحابها ونرجو أن يكون هذا مبدأنا جميعًا ..

تم نسخ الرابط