خليفة الميري: توازن محمد نجيب وفكر جماعة الإخوان سبب الانقسام المبكر

في تحليل تاريخي دقيق، سلّط الدكتور خليفة الميري، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، الضوء على واحدة من أبرز مراحل التحول في تاريخ مصر الحديث، وهي ما أعقب ثورة 23 يوليو 1952، وبالتحديد الدور الذي لعبه اللواء محمد نجيب في محاولته ضبط التوازن السياسي بين القوى المختلفة التي كانت حاضرة في المشهد آنذاك.
محمد نجيب ومحاولة التوازن
أكد خليفة الميري، خلال لقائه مع الإعلامي أحمد دياب في برنامج "صباح البلد"، أن محمد نجيب سعى منذ اللحظة الأولى لتوليه قيادة مجلس قيادة الثورة إلى الحفاظ على توازن سياسي بين التيارات الفاعلة في المجتمع المصري، وكان من أبرز هذه التيارات: الإخوان المسلمون، والحركة الشيوعية، وكبار ملاك الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الصوت الشعبي الذي بدأ يتشكل بقوة بعد سقوط النظام الملكي.
وأوضح خليفة الميري أن نجيب لم يكن يسعى إلى الإقصاء أو التصعيد، بل تبنّى نهجًا يقوم على الاعتدال وتوزيع الفرص السياسية بشكل متوازن، رغبةً في الحفاظ على وحدة الصف الوطني، ومنع انزلاق البلاد إلى صراعات داخلية مبكرة.
خلاف فكري مع عبد الناصر
وواصل خليفة الميري: "لكن هذه الرؤية التوافقية التي تبناها نجيب لم تكن محل ترحيب من قبل أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، الذين رأوا أن مرحلة ما بعد الثورة تحتاج إلى قرارات حاسمة وسرعة في تنفيذ الإصلاحات الجذرية، خصوصًا في ما يتعلق بإلغاء الملكية، وتوزيع الأراضي، ومواجهة التنظيمات السرية التي كانت تسعى لاختراق السلطة".
وتابع خليفة الميري: "نتيجة لهذا التباين في الرؤى، بدأت الخلافات تتصاعد تدريجيًا بين نجيب وعبد الناصر، ووصلت إلى ذروتها في عام 1954، عندما أعلن محمد نجيب استقالته من رئاسة الجمهورية، احتجاجًا على ما اعتبره تجاوزًا لصلاحياته واحتكارًا للقرار السياسي من قبل الضباط الأحرار".
الإخوان في قلب اللعبة
واستطرد خليفة الميري: "لم تمر استقالة محمد نجيب دون رد فعل شعبي، حيث خرجت مظاهرات جماهيرية تطالب بعودته إلى الحكم، ما دفع قيادة الثورة إلى إعادة النظر مؤقتًا في قرارها، والقبول بعودته إلى موقعه، قبل أن تتطور الأمور لاحقًا إلى ما عُرف بـأزمة مارس "1954.
وخلال هذه الأزمة، كشف خليفة الميري أن جماعة الإخوان المسلمين لعبت دورًا خفيًا لكنه مؤثر، إذ حاولت استغلال الصراع بين نجيب وعبد الناصر لإعادة تموضعها داخل منظومة الحكم، بعدما بدأت تتراجع شعبيتها تدريجيًا، فقد تبنّى الإخوان خطابًا مزدوجًا، أظهروا فيه دعمًا ظاهريًا لنجيب، بينما كانوا يسعون فعليًا لتوسيع نفوذهم السياسي في ظل حالة الانقسام داخل المجلس.

بداية مرحلة الحسم
ويرى خليفة الميري أن نهاية عام 1954 شكّلت نقطة حاسمة في التاريخ السياسي المصري، حيث تراجع محمد نجيب عن المشهد بشكل نهائي، وأصبح جمال عبد الناصر هو القائد الأوحد للثورة، وبدأت مرحلة جديدة تميّزت بـالمركزية الشديدة في صنع القرار، ومواجهة التنظيمات المعارضة بقوة، وفي مقدمتها الإخوان الذين تم حظرهم لاحقًا.
في ختام تحليله، شدد الدكتور خليفة الميري على أن رؤية محمد نجيب التوافقية، رغم صدق نواياها، لم تكن ملائمة لطبيعة المرحلة التي تتطلب الحسم لا التفاوض، مضيفًا أن تجربة نجيب تكشف تعقيد العلاقة بين الشرعية الثورية والشرعية الشعبية، ومدى صعوبة الجمع بينهما في لحظات التحول الكبرى.