تحذير عالمي الهواتف الذكية قبل سن 13 تهدد الصحة النفسية للأطفال

في ظل الانتشار المتزايد للتكنولوجيا في حياتنا اليومية، بات من المألوف رؤية أطفال في عمر السابعة أو الثامنة يحملون الهواتف الذكية، يتصفحون التطبيقات، يشاهدون الفيديوهات، ويدخلون إلى عالم مفتوح بلا حدود، لكن ما قد يبدو تقدمًا عصريًا أو وسيلة لإلهاء الطفل، تُعيد الدراسات العلمية تسليط الضوء عليه كخطر حقيقي يهدد توازن الطفل النفسي وسلامته العاطفية.
دراسة دولية حديثة نشرت نتائجها في دورية Journal of Child Psychology and Psychiatry، حذّرت من أن استخدام الهواتف الذكية من قبل الأطفال دون سن الثالثة عشرة قد يكون مرتبطًا بشكل مباشر بزيادة معدلات القلق، الاكتئاب، ضعف التركيز، والانطواء الاجتماعي.
الدماغ في خطر والطفولة مهددة بالرقمنة
يرى الخبراء أن الدماغ البشري في هذه المرحلة العمرية يكون في طور التكوين، ويتأثر بشدة بالبيئة المحيطة، وعندما يدخل الطفل إلى عالم الشاشات مبكرًا، يتعرّض إلى سيل من المعلومات والمحفزات البصرية التي تفوق قدرته على الفهم والاستيعاب، هذا التعرّض المفرط يؤدي إلى تشوّه تدريجي في طريقة التفاعل مع الذات والمحيط، مما ينعكس على الصحة النفسية بشكل مباشر.

الدراسة شملت أكثر من 10 آلاف طفل ومراهق من دول مختلفة، وتابعت تأثير الهواتف الذكية عليهم على مدار عدة سنوات، لتخلص إلى نتائج مقلقة، منها:
- أكثر من 60% من الأطفال الذين يستخدمون الهواتف الذكية يوميًا قبل سن 13 يعانون من أعراض القلق المزمن.
- 1 من كل 3 أطفال أبلغ عن شعور دائم بالوحدة والضغط النفسي.
- ارتفاع معدلات اضطرابات النوم لدى الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة قبل النوم.
- تراجع المهارات الاجتماعية الفعلية مثل الحوار واللعب الجماعي، لصالح العزلة الرقمية.
هل الهاتف أداة ضرورية أم قنبلة صامتة؟
يحذر الباحثون من الوقوع في فخ الاعتقاد بأن الهواتف الذكية مجرد أدوات ترفيه، فبينما توفر بعض المحتويات التعليمية المفيدة، إلا أن الوصول غير المُراقب إلى التطبيقات، مواقع التواصل، والمحتويات غير المناسبة للعمر، قد يترك آثارًا نفسية عميقة لا تظهر مباشرة، لكنها تؤثر تدريجيًا على سلوك الطفل وثقته بنفسه.
كما تؤدي المقارنات الرقمية خاصة على منصات التواصل إلى شعور الطفل بالنقص أو الضغط الاجتماعي، وهي مشاعر لا يفترض أن يختبرها طفل في هذه السن الصغيرة.
كيف نحمي أبناءنا من الإدمان الرقمي؟
لا تدعو الدراسة إلى منع التكنولوجيا تمامًا، لكنها تطرح بدائل وتوصيات واقعية يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا في بناء علاقة صحية بين الطفل والتقنيات، منها:

- تأجيل منح الهاتف الذكي حتى سن 13 على الأقل، والاكتفاء بوسائل محدودة للاتصال تحت إشراف الأهل.
- وضع قواعد واضحة لاستخدام الشاشات، من حيث عدد الساعات والمحتوى المسموح به.
- تعزيز الأنشطة البديلة مثل الرياضة، القراءة، الفن، والألعاب الجماعية، لإشباع طاقة الطفل في مسارات صحية.
- المراقبة الواعية بدلًا من المراقبة الصارمة، بحيث يكون الحديث مع الطفل قائمًا على الحوار والفهم، وليس المنع فقط.
- القدوة السلوكية، إذ أن الطفل يقلد والديه، وإن رأى انشغالهم الدائم بالهاتف، فسيفعل المثل دون وعي.
أرقام تدق ناقوس الخطر
- 85% من الأطفال في بعض الدول المتقدمة يمتلكون هاتفًا ذكيًا قبل سن 13
- معدل تعرض الأطفال للمحتوى غير المناسب ارتفع بنسبة 45% خلال آخر 5 سنوات
- تزايد حالات الإدمان الرقمي بين الأطفال والمراهقين بنسبة 30% عالميًا
لا تترك الطفولة للهواتف
في عصر الرقمنة السريعة، أصبحت التربية أكثر تعقيدًا، والمسؤولية أكبر. التكنولوجيا ليست عدوًا، لكنها تحتاج إلى وعي حقيقي في التعامل معها، خاصة عندما يتعلق الأمر بعقول ونفسيات لم تكتمل بعد.
الطفل لا يحتاج إلى هاتف ذكي بقدر ما يحتاج إلى أهل أذكياء يدركون معنى أن تمنح طفلك عالمًا كاملًا قبل أن يكتشف العالم الحقيقي من حوله.