عاجل

تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 بموجب "نظام روما الأساسي" بهدف محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم الدولية، كالجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، وجرائم العدوان، وقد مثلت المحكمة في بدايتها أملاً كبيراً لدى المجتمع الدولي في تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة في النزاعات المسلحة، غير أن الواقع العملي خلال العقدين الماضيين كشف عن تحديات كبيرة واجهت المحكمة في ممارسة اختصاصها، ما يفرض ضرورة تقييم دورها وتأثيرها في النزاعات الجارية.
أظهرت النزاعات الدائرة في أماكن مثل سوريا واليمن وأوكرانيا والسودان وفلسطين مدى صعوبة تطبيق ولاية المحكمة في بيئات سياسية وقانونية شديدة التعقيد، فعلى الرغم من أن المحكمة تحركت في بعض القضايا، فإنها كثيراً ما اصطدمت بعقبات تتعلق بعدم انضمام بعض الدول الرئيسية إلى نظام روما، أو بعدم تعاون الدول الأعضاء في تنفيذ مذكرات التوقيف، أو بسبب تسيس العدالة الجنائية من قبل القوى الكبرى في مجلس الأمن، فعلى سبيل المثال، لم تستطع المحكمة التحرك بفعالية في النزاع السوري بسبب الحماية التي يوفرها حق النقض (الفيتو) لبعض الأطراف، ما جعلها تبدو عاجزة عن التدخل في أكثر الملفات دموية.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن المحكمة حققت بعض النجاحات الرمزية والمادية، مثل إصدار أوامر توقيف ضد شخصيات بارزة متهمة بارتكاب جرائم خطيرة، أو فتح تحقيقات رسمية في دول إفريقية وأوروبية، كما أن وجود المحكمة بحد ذاته يبعث برسالة سياسية قوية بأن الإفلات من العقاب لم يعد أمراً سهلاً، وأن هناك مرجعية قانونية دولية تسعى إلى مساءلة الجناة، حتى وإن لم يتحقق العقاب الفوري.
لكن تظل الإشكالية الأكبر متمثلة في الانتقائية والتفاوت في مواقف المحكمة تجاه النزاعات المختلفة، ما أضعف من مصداقيتها في نظر بعض الشعوب، خاصة في العالم العربي والأفريقي، حيث يُنظر إليها أحياناً كأداة تستخدمها القوى الكبرى ضد خصومها السياسيين، بينما تغض الطرف عن انتهاكات تُرتكب من قبل حلفاء تلك القوى.
وختاما، فإن المحكمة الجنائية الدولية تمثل خطوة مهمة نحو إرساء مبدأ العدالة الدولية، إلا أن فاعليتها في النزاعات الجارية لا تزال محدودة بفعل عوامل سياسية وقانونية دولية معقدة، ومن أجل تعزيز دورها، يجب تحقيق استقلالية أكبر عن التأثيرات السياسية، وتوسيع نطاق عضويتها، وتطوير آليات تنفيذ فعّالة تضمن عدم الإفلات من العقاب، بغض النظر عن هوية مرتكب الجريمة.

تم نسخ الرابط