متى يتحول الخيال إلى سجن؟ .. نبيل القط يُحذر من الإفراط في أحلام اليقظة| فيديو

في زمن تتسارع فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، يلجأ الكثيرون إلى "أحلام اليقظة" كوسيلة للهروب من الواقع، لكن متى يتحول هذا الخيال إلى فخ نفسي وسجن داخلي يصعب الخروج منه؟ سؤالٌ أجاب عليه الدكتور نبيل القط، استشاري الطب النفسي، خلال لقائه في برنامج "الستات" المذاع على قناة "النهار"، حيث قدّم رؤية شاملة حول تأثير أحلام اليقظة على الصحة النفسية، ومدى خطورتها إذا خرجت عن السيطرة.
الخيال بين الهروب والفخ
أكد الدكتور نبيل القط أن أحلام اليقظة في حد ذاتها ليست مرضًا، بل يمكن أن تكون وسيلة طبيعية للتنفيس أو التخطيط أو حتى الإبداع، موضحًا: "الخيال ميزة من مميزات العقل البشري، ومن المستحيل أن نجد فنانًا أو مهندسًا أو كاتبًا دون خيال، فكل عمل إبداعي يبدأ بفكرة خيالية تتبلور في الذهن قبل أن تتحول إلى واقع".
وحذر نبيل القط في الوقت ذاته من أن الخيال قد يتحول إلى فخ نفسي حين يتضخم ويهيمن على وعي الإنسان، فيجعله غير قادر على التفرقة بين الواقع والخيال، وهنا تبدأ الأزمة النفسية.
الأمن النفسي والتعبير
شرح نبيل القط أن أحلام اليقظة تعبر عن رغبات دفينة أو أمنيات يصعب تحقيقها في الواقع، كأن يتخيل الشخص نفسه بطلاً خارقًا أو جزءًا من عصابة خطيرة، دون أن يكون لديه أي نية لتنفيذ ذلك.
وأضاف نبيل القط: "قد تكون أحلام اليقظة محاولة للهروب المؤقت من ضغوط الواقع أو وسيلة لتخطيط المستقبل، لكنها أحيانًا تكون أيضًا تنفيسًا عن رغبات مكبوتة مثل العنف أو الجنس أو العدوان".
وأشار نبيل القط إلى أن الخطر يبدأ حين يتحول الخيال إلى بديل عن الواقع، ويبدأ الشخص في العيش داخل تلك العوالم الافتراضية، مما يؤثر على حياته اليومية وقدرته على التفاعل مع المجتمع.
متى تصبح أحلام اليقظة اضطرابًا؟
أوضح الدكتور نبيل القط أن أحلام اليقظة تتحول إلى اضطراب نفسي حقيقي عندما تبدأ في التأثير على أداء الفرد اليومي، ويختلط عنده الواقع بالخيال، ولا يعود قادرًا على التمييز بين الحياتين.
وأوضح نبيل القط: "في حالات معينة، كما حدث مع شخصية "حازم" التي طُرحت خلال اللقاء، قد ينسى الشخص واقعه تمامًا، ويعيش في عالم متخيل لدرجة أنه لا يعرف من هو، أو ما الذي يفعله"
وتابع نبيل القط: "يُعرف هذا النوع من الاضطرابات بـ"الشرود الذهني المرضي" أو "اضطراب أحلام اليقظة المفرطة"، وقد يحتاج إلى تدخل نفسي متخصص لإعادة الشخص إلى التوازن بين الخيال والواقع".
كيف يخلق الدماغ عوالم ؟
أوضح نبيل القط أن المخ البشري لديه القدرة على خلق صور ومواقف متكاملة من الذاكرة، حيث تُخزن الصور في منطقة، والأصوات في منطقة أخرى، والأفكار والذكريات في مناطق متعددة، ويتشابك هذا كله ليخلق سيناريوهات متكاملة، سواء بوعي في أحلام اليقظة أو بدون وعي كما في الأحلام أثناء النوم.
واكمل نبيل القط: "الإنسان يمكنه أن يركب قصة كاملة في ذهنه، يبدأها بتحرك معين، يتحدث مع أشخاص متخيلين، يذهب لأماكن محددة، ويتفاعل كأنه بطل فيلم من تأليفه وإخراجه".

التوازن هو الحل
في ختام حديثه، شدد الدكتور نبيل القط على أن الخيال ضرورة إنسانية، ولكنه يصبح عبئًا نفسيًا حين يُستخدم كأداة هروب مستمر من الواقع، مؤكدًا أن التوازن هو الحل، قائلًا: "لا تقيد خيالك، لكن راقبه.. وتأكد أنه وسيلة لتحفيزك على الحياة لا للهروب منها".
هذه الرؤية النفسية تقدم إنذارًا ناعمًا لكل من يلجأ إلى الخيال أكثر مما يعيش في الواقع، فـ"الهروب الآمن" قد يتحول إلى سجن إذا ما طالت إقامته.