ما حكم قطع صلاة الفرض لأمر مهم؟ دارالإفتاء توضح الحكم

مع حرص الكثير من الناس على تأدية فريضة الصلاة على أكمل وجه يبرز سؤال مهم يشغل أذهان الكثيرين: هل يجوز قطع صلاة الفريضة إذا طرأ أمر مهم لا يحتمل التأجيل؟
وفي هذا الإطار أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المعيار في هذا الأمر يرجع إلى التقدير الشخصي للمصلِّي، وتحقيق المناط فيه موكولٌ إليه، فهو الأدرى بتقدير ما إذا كانت المكالمة تمثّل ضرورة أو حاجة ملحّة، وكذلك الأقدر على تمييز ما يمكن إدراكه لاحقًا مما قد يفوت ولا يُعوَّض. فإن كان المصلي ينتظر مكالمة شديدة الأهمية، يغلب على ظنه أنه إن لم يردّ عليها فسيفوته نفع كبير أو يلحقه ضرر لا يمكن تداركه، جاز له شرعًا أن يقطع الصلاة للرد عليها، بشرط أن يقدِّر الضرورة أو الحاجة بقدرها، دون تجاوز أو تهوين. وبعد ذلك يلزمه أن يعيد الصلاة من بدايتها قضاءً لما قطع
حكم قطع صلاة الفريضة لأمرٍ مهم، مع الأدلة الشرعية
إذا كانت الصلاة فرضًا، فإنه يجوز للمصلي قطعها في حال طرأ أمرٌ مهم يُخشى فواته ولا يمكن تداركه، سواء كان متعلقًا بمصلحة دينية أو دنيوية. بل قد يصبح قطع الصلاة واجبًا إذا تعلّق الأمر بإنقاذ نفس معصومة، كالغريق أو الملهوف، بخلاف ما لو كان الأمر يسيرًا أو يمكن تجاوزه بتخفيف الصلاة دون قطعها.
وقد ثبتت مشروعية ذلك بما رواه الإمام البخاري وغيره عن الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الخوارج، فإذا برجل يصلي وبلجام دابته بيده، فبدأت الدابة تتملص منه فتبِعها وهو في الصلاة، فقال أحد الخوارج: “اللهم افعل بهذا الشيخ!” فلما فرغ الرجل من صلاته قال: “سمعت قولكم، ولقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وشهدت تيسيره، وإن رجوعي مع دابتي أحب إلي من أن أدعها تذهب إلى مألفها فيشق عليّ”.
وقد خصّ البخاري هذا الحديث بباب في صحيحه أسماه: باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة.
قال ابن بطّال المالكي في شرحه: “في الحديث حجة على جواز قطع الصلاة إذا خشي ضياع مال أو متاع أو دابة، وهو من الأمور التي يباح قطع الصلاة من أجلها”.
وقال ابن حجر العسقلاني: “فيه دليل للفقهاء على أن كل ما يُخشى تلفه يجوز قطع الصلاة من أجله”.
كما عقد عبد الرزاق الصنعاني بابًا خاصًا في مصنّفه بعنوان: باب الرجل يكون في الصلاة فيخشى أن تذهب دابته أو يرى الذي يخافه، وذكر فيه آثارًا عن السلف تفيد بجواز الانصراف من الصلاة عند الخوف على الدابة أو وقوع ضرر وشيك.
وجاء في كلام الحسن وقتادة أنه إذا خشي المصلي على دابته أو رأى صبيًا قد يسقط في بئر أو سارقًا يهم بسرقة متاعه: “ينصرف”، ويبدأ صلاته من جديد إذا ولى ظهره للقبلة.
أما إنقاذ النفس المعصومة فهو أوجب من الاستمرار في الصلاة، حتى لو كانت فرضًا؛ فقد نصّ الإمام العز بن عبد السلام الشافعي على أن تقديم إنقاذ الغريق على أداء الصلاة أولى عند الله تعالى، لأن مصلحة إنقاذ الحياة أعظم من مصلحة إتمام الصلاة، ويمكن الجمع بين المصلحتين بقضاء الصلاة بعد الإنقاذ.
أقوال الفقهاء في المسألة:
• الحنفية: أباحوا قطع الصلاة في حال قتل الحية، أو انفلات الدابة، أو إنقاذ مال ذي قيمة معتبرة، ولو كان لغير المصلي. ويجب القطع لإغاثة الملهوف أو الحريق أو الغريق، ويستحب لمراعاة خلاف فقهي أو دفع الأخبثين (البول أو الغائط).
• المالكية: نقل ابن القاسم عن مالك التوسع في هذه الرخصة عند وجود مصلحة كبرى أو ضرر متحقق، مع التفرقة بين الفريضة والنافلة، وكان مالك أشد تحفظًا في الفريضة إلا إن تعلق الأمر بخطر كبير أو ضياع متاع.
• الشافعية: نصّوا على أن قطع الصلاة جائز إذا تعلّق بإنقاذ معصوم، أو دفع ضرر عن نفس أو مال أو عضو، سواء كان لنفسه أو لغيره، كالخوف من حريق، أو غرق، أو سرقة. ويجوز قطعها أيضًا إذا انفلتت دابته وخشي فواتها، على أن يعود ويبتدئ الصلاة.
• الحنابلة: نقل ابن قدامة عن الإمام أحمد جواز بل وجوب قطع الصلاة لإنقاذ غريق أو تفريق صبيين يتضاربان أو ملاحقة غريم هارب. كما أجاز الخروج في أثناء الصلاة لرد الحريق أو الخطر، وابتداء الصلاة من جديد بعد زوال السبب.
واختتم البهوتي الحنبلي المسألة بتأكيد وجوب قطع الصلاة إذا تعلّق الأمر بإنقاذ غريق أو مَن في حكمه، حتى لو كانت الصلاة فرضًا، فإن امتنع المصلي عن قطعها أثم، وإن كانت صلاته صحيحة في ظاهر الحكم