عاجل

هل وقف إطلاق النار في السويداء بداية حل دائم أم استراحة محارب؟

السويداء
السويداء

في وقت أعلنت فيه جهات محلية ودولية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة السويداء السورية، لا تزال المعارك مستعرة في محيط المدينة، وسط خروقات متكررة من قبل الفصائل المسلحة المهاجمة، ما يعكس هشاشة الاتفاق المبرم وغياب الضمانات الفعلية لتطبيقه، بحسب ما أفادت به مصادر محلية سورية.

ووفق تلك المصادر، فقد عبرت الفصائل المحلية في السويداء عن التزامها الكامل ببنود وقف إطلاق النار، لكن المقابل لم يكن على ذات المستوى، إذ تجاهلت بعض التشكيلات العشائرية المسلحة الدعوات الرسمية والشعبية للانسحاب ووقف القتال، رغم بيانات واضحة صدرت عن الرئاسة الانتقالية السورية وشيوخ العشائر، طالبوا فيها أبناءهم بالانضباط والانسحاب من نقاط الاشتباك.

خطورة الوضع الراهن
اشتباكات السويداء

بين التفاهمات والواقع الميداني

تضيف المصادر أن فصائل السويداء، ورغم التزامها، اضطرت للرد على مصادر النيران حمايةً لمواقعها، في وقتٍ وجّهت فيه نداءات لوجهاء المنطقة من أجل التواصل مع الدول الراعية للاتفاق لوقف الخروقات، التي تهدد بانهياره التام.

وفي الوقت ذاته، كشفت المصادر نفسها تفاصيل الاتفاق الذي أشار إليه المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك، والذي تم التوصل إليه بموافقة كل من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، إلى جانب دعم إقليمي من تركيا والأردن ودول أخرى مجاورة.

وينص الاتفاق، بحسب تلك التفاصيل، على نشر حواجز تابعة للأمن العام التابع لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية السورية، في محيط الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، كإجراء وقائي لاحتواء التوتر، ومنع التسلل، والسيطرة على خطوط التماس.

كما تضمن الاتفاق فرض حظر مؤقت لمدة 48 ساعة على دخول أي طرف إلى القرى الحدودية، لإتاحة المجال أمام تموضع القوات الأمنية، وتجنّب حدوث مفاجآت عسكرية قد تعيد إشعال المواجهات.

السويداء
أحداث السويداء

ضوابط مشددة وتحذيرات من التصعيد

اشتمل الاتفاق على بند يمنع مقاتلي فصائل السويداء من مغادرة حدود المحافظة الإدارية، محذرًا من أي تحركات قتالية أو استفزازية قد تفسر كخرق للهدنة، حيث إن أي خرق يُنسب حصريًا للطرف المنفذ له دون تعميم المسؤولية على باقي القوى المنخرطة في الاتفاق.

وفي خطوة تهدف إلى خفض التوتر، سمح الاتفاق لمن تبقى من أبناء العشائر المتواجدين في السويداء بالخروج الآمن، شريطة أن يتم ذلك تحت مرافقة أمنية من الفصائل المحلية. 

كما تم تخصيص معابر للحالات الطارئة والإنسانية عبر منطقتي بصرى الشام وبصرى الحرير الواقعتين إدارياً في محافظة درعا، قرب حدود السويداء الغربية والشمالية الغربية.

اتفاق بلا محاسبة على التجاوزات

ورغم ما يبدو عليه الاتفاق من تنظيم ميداني، إلا أنه بحسب المصادر لا يتضمن أي آلية واضحة للمساءلة أو ضمانات للمحاسبة في حال وقوع تجاوزات من أحد الأطراف. وهو ما اعتبرته المصادر أحد أبرز نقاط الضعف في الاتفاق، مشيرة إلى أن غياب الإطار القانوني وهيئات المراقبة يجعل من الاتفاق مجرّد تهدئة هشة، لا أكثر.

وخلصت إلى أن "العدالة هي الغائب الأكبر"، في ظل غياب نظام رقابي محايد، ما يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية تكرار الخروقات، والعودة إلى مربع العنف في أي لحظة.

السويداء.. مختبر سياسي لتوازنات الجنوب

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي مهند الحاج، في حديث صحفي، أن اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء لا يمكن فصله عن مشهد أعقد يتبلور في جنوب سوريا، حيث تعيش المنطقة حالة من إعادة تشكيل النفوذ بعد سقوط النظام السابق، وسط فراغ سيادي تحاول قوى محلية وإقليمية ملؤه بترتيبات غير معلنة.

ويضيف الحاج أن إسرائيل تنسّق أمنياً، والولايات المتحدة الأمريكية تدير دبلوماسياً، والأردن يتابع التطورات على حدوده الشمالية بحذر بالغ، في حين تسعى السلطة السورية الانتقالية إلى الحفاظ على موطئ قدم رمزي من خلال صفقات محلية مع الزعامات الروحية".

ولفت إلى أن محافظة السويداء باتت نموذجًا لما سماه "اللامركزية التفاوضية غير المعلنة"، حيث تدير شؤونها الأمنية والخدمية بصورة مستقلة نسبيًا، ولكن دون الخروج من الإطار الوطني العام أو السعي للانفصال، بل نتيجة فراغ أمني مستمر، وحاجة المجتمعات المحلية إلى حماية ذاتية ضمن توازن معقد بين الأمن والسيادة.

جنوب سوريا على صفيح تفاهمات ميدانية

وأشار الحاج إلى أن السويداء ليست الوحيدة في هذا السياق، فجنوب سوريا بأكمله يشهد تشكّلاً لنمط جديد من الترتيبات الأمنية، تُنسج خيوطه عبر مفاوضات خلف الكواليس، واتصالات غير مباشرة بين اللاعبين المحليين والدوليين.

ومع غياب مرجعية سياسية شاملة لتنظيم هذه التفاهمات، فإن الجنوب السوري مرشح لمزيد من الاتفاقات الجزئية، التي قد تؤسس لأشكال جديدة من الحكم المحلي، وربما تفتح الطريق لاحقاً أمام تحولات أوسع في بنية الدولة السورية ووظائفها، ضمن مشهد إقليمي لم تكتمل ملامحه بعد.

تم نسخ الرابط