عاجل

تشهد الساحة الدولية تطورات متسارعة تتطلب قراءة قانونية دقيقة لفهم تداعياتها وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي، ومن بين هذه التطورات، تبرز تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول سد النهضة الإثيوبي، والكشف عن الجرائم المنظمة التي ترتكبها مؤسسة غزة الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني.

إن تصريحات الرئيس ترامب بشأن سد النهضة، وإن كانت تحمل في طياتها نوعا من الضغط، إلا أنها تكشف عن إدراك أمريكي متزايد لخطورة الوضع في حوض النيل، ومن المنظور القانوني الدولي، فإن هذه التصريحات تأتي في سياق التزام الولايات المتحدة بمبادئ القانون الدولي للمياه العابرة للحدود، والتي تنص على ضرورة التعاون والتشاور المسبق بين دول المنبع والمصب.

لقد أجاد الرئيس السيسي في استغلال هذا الموقف الأمريكي دبلوماسيا، حيث نجح في تحويل الضغط الأمريكي إلى أداة ضغط إضافية على إثيوبيا للعودة إلى طاولة المفاوضات والالتزام بالقانون الدولي، هذا النهج الدبلوماسي الذكي يعكس فهما عميقا لآليات العمل الدولي واستثمارا مثاليا للفرص المتاحة.

نؤكد مجددا أن مصر، التي تستمد قوتها من تاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي، لن تركع أمام أي ضغوط أو مساومات تمس بحقوقها التاريخية في مياه النيل، فهذه الحقوق مكفولة بموجب القانون الدولي ومبادئ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة.

إن الموقف المصري الثابت يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية استخدام نفوذها وثقلها الدولي للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن حقوق جميع الأطراف في حوض النيل، هذا الاتفاق يجب أن يستند إلى مبادئ القانون الدولي للمياه، وخاصة مبدأ عدم الإضرار بالغير ومبدأ الاستخدام المنصف والمعقول؛

اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997 تؤكد على ضرورة التعاون والتشاور المسبق بين الدول المتشاطئة، وهو ما يتطلب من إثيوبيا الالتزام بالتفاوض بحسن نية والتوصل إلى اتفاق شامل قبل البدء في ملء وتشغيل السد.

على صعيد آخر، تكشف الأدلة المتراكمة عن الطبيعة الإجرامية لما يسمى بمؤسسة غزة الإنسانية، والتي تستخدم العمل الإنساني كغطاء لارتكاب جرائم منظمة ضد الشعب الفلسطيني، إن ما يتردد من العثور على حبوب مخدرة داخل شحنات الدقيق التي توزعها هذه المؤسسة يكشف عن مخطط إجرامي يهدف إلى قتل الفلسطينيين بطرق خفية.

هذا السلوك يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة مبدأ التمييز الذي يحظر استهداف المدنيين تحت أي ظرف من الظروف، كما أنه يتعارض مع المبادئ الأساسية للعمل الإنساني المنصوص عليها في القانون الدولي وهي الحياد والاستقلالية والإنسانية وعدم التحيز.

ومما لا شكر فيه أن استهداف طوابير الجوع بالقتل و بالمخدرات يعد جريمة حرب مركبة تجمع بين انتهاك حقوق الإنسان الأساسية واستخدام المواد المخدرة كسلاح ضد المدنيين، هذا السلوك يندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

إن الطبيعة المنهجية لهذه الجرائم تكشف عن سياسة إبادة جماعية ممنهجة تستهدف الشعب الفلسطيني، وهو ما يتطلب تدخلا دوليا عاجلا لوقف هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.

هذه التطورات كلها تتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم وواضح، فبينما ندعو الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها في ملف سد النهضة للوصول إلى اتفاق عادل، نطالب أيضا بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في جرائم مؤسسة غزة الإنسانية ومحاسبة المتورطين فيها.

إن القانون الدولي يوفر الأدوات اللازمة لمواجهة هذه التحديات، ولكن الأمر يتطلب إرادة سياسية دولية حقيقية للتطبيق العادل والمتوازن لهذه القوانين، فإن مصر، بقيادتها الحكيمة وشعبها الصامد، ستستمر في الدفاع عن حقوقها ومبادئها، سواء في ملف المياه أو في دعم القضايا العادلة في المنطقة.

فضلا عن أن التعامل مع هذين الملفين يتطلب نهجا شاملا يجمع بين الدبلوماسية الذكية والالتزام بالقانون الدولي، و مصر قادرة على مواجهة هذه التحديات بحكمة وثبات، وستستمر في العمل على حماية مصالحها الحيوية ودعم القضايا العادلة في المنطقة، مهما كانت الضغوط أو المساومات.

تم نسخ الرابط