قراءة في تاريخ الصدام بين الدروز والجماعات الإسلامية
من جديد، تعود محافظة السويداء إلى واجهة الأحداث، بعدما تحوّلت خلال اليومين الماضيين إلى ساحة صراع مفتوح بين مقاتلين دروز وقوات النظام السوري، إثر اشتباكات دامية اندلعت على خلفية خلافات متراكمة، وانتهت – مؤقتًا – باتفاق هش لوقف إطلاق النار.
لكن هذا التصعيد الأخير لم يكن حادثًا معزولًا، بل هو فصل جديد في تاريخ طويل من التوتر بين طائفة لطالما اختارت الانعزال عن مراكز الصراع، وبين جماعات إسلامية نظرت إليها بريبة أو عداء صريح، من داعش إلى فصائل محسوبة على الحكومة.
فمن هم الدروز؟ ولماذا يُستهدفون في كل دورة عنف؟
كيف تشكلت علاقة معقدة بينهم وبين الجماعات الإسلامية المتشددة؟
وما الذي جرى في السويداء تحديدًا هذا الأسبوع، ليشعل فتيل معركة لم تُطفأ جذوتها بعد؟
هذا التقرير يأخذك في رحلة عبر قرون من التاريخ، مرورًا بمحطات المواجهة، ووصولًا إلى لحظة الاشتعال التي شهدتها الجبال الجنوبية لسوريا مؤخرًا، حين قررت الطائفة أن تقول كلمتها بالسلاح، لا بالصمت.
من هم الدروز؟ – أصل المذهب ومعتقداته
الدروز جماعة دينية توحيدية باطنية، نشأت في غرب آسيا، وتختلف معتقداتهم عن الإسلام السني والشيعي التقليدي. لا يعتبر الدروز أنفسهم جزءًا من الجماعات الإسلامية الرئيسية، ولا يشاركونهم في بعض الممارسات الدينية والطقوس.
- الدرزية نشأت في القرن الـ10 كفرع من الإسماعيلية الشيعية خلال حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996–1021م)، حين أكد مؤسس الحركة حاكم بن الوليد أنه تجسيد للخالق، وقد أعلن عن ذلك كتابيًا عام 1017م.
- بعد 1037م توقفت الدعوة الجديدة وأُنهت عملية التحوّل للدروز، فهم يُشكلون جماعة مغلقة ولا يقبلون التحوّل الجدد، ويتّسمون بتجانس اجتماعي وديني قوي.
تاريخ الدروز وخلافاتهم مع الجماعات الإسلامية
خلال حكم العثمانيين (القرن 19)
- ثار الدروز عام 1838 في جبل لبنان وسورية ضد حكم إبراهيم باشا كشكل من أشكال مقاومة الحكم الأجنبي، خاصة بسبب التجنيد الإجباري والقهر الديني.
- كانت الثورة جزءًا من سلسلة من الثورات التي شهدتها المنطقة ضد حكم إبراهيم باشا، والتي كانت مدفوعة بمزيج من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- أثارت سياسات إبراهيم باشا، بما في ذلك التجنيد الإجباري والضرائب الجديدة، استياء الدروز والمجموعات الأخرى في المنطقة.
- استمرت الثورة لعدة أشهر، وشملت معارك عنيفة بين الدروز والقوات المصرية.
- في نهاية المطاف، تمكن إبراهيم باشا من قمع الثورة، لكنه اضطر إلى إجراء بعض التنازلات للدروز، مثل السماح لهم بالاحتفاظ بأسلحتهم.
- تعتبر ثورة الدروز عام 1838 جزءًا هامًا من تاريخ المنطقة، وتذكر كرمز لمقاومة الدروز للاستبداد.
في العصر الحديث – الصراع مع الجماعات الإسلامية المتطرفة
- في عام 2018، شن تنظيم داعش هجمات على مناطق درزية في السويداء، تضمنت تفجيرات وعمليات تصفية. استهدفت الهجمات قرى شمال شرق المدينة، حيث نفذ عناصر داعش هجمات انتحارية وتفجيرات في ثماني قرى. أسفرت الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 280 شخصًا وإصابة المئات، حسبما ذكرت تقارير إعلامية.
- الدروز كونوا في أثناء الحرب السورية ميليشيات محلية (مثل لواء الجبل وC. Men of Dignity) للدفاع عن أنفسهم ضد جماعات مثل داعش، وتجنب الاعتماد الكامل على الدولة المركزية.
دوافع الهجمات:
فتح جبهة قتالية:
- يُعتقد أن الهجمات كانت محاولة من داعش لفتح جبهة قتالية في منطقة السويداء التي كانت أقل تأثرًا بالصراع في سوريا مقارنة بالمحافظات الأخرى، حسب تقرير مركز المستقبل.
نقل عناصر داعش:
- أشارت بعض التقارير إلى أن الهجمات قد تكون مرتبطة بانسحاب عناصر من تنظيم داعش من درعا إلى السويداء، وأن التنظيم كان يحاول التمدد في المنطقة.
إخضاع الفصائل الدرزية:
- تساءل معلقون عن مدى تورط النظام السوري في السماح للتنظيم بشن الهجوم بهدف إخضاع الفصائل الدرزية
موقف الدروز من النظام السوري والجماعات الإسلامية حديثًا
- بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024 وتشكل حكومة مؤقتة بقيادة أحمد الشرع)، ازداد التوتر، إذ يعتبر الدروز أن السلطات الجديدة تضم عناصر ذات خلفية إسلامية متشددة.
- في فترات الاشتباك السابقة، مثل في جرامانة (28 فبراير – 2 مارس 2025)، نشبت مواجهات بين ميليشيات درزية وشرطة الدولة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، لكن الحكومة سيطرت في النهاية.
الاشتباكات الأخيرة في السويداء (يوليو 2025)
المشهد الحالي:
- بدأت الاشتباكات في منتصف يوليو 2025 بانقلاب خمسة أحداث: هجوم من Bedouins (عرب بادية) على بائع درزي على الطريق السريع (دمشق-السويداء)، تلاها سلسلة اختطافات متبادلة بين الطرفين
- تّدخّل الأمن السوري بحجة بسط السيطرة، إلا أن قواته تعرضت للهجوم من قِبل الميليشيات الدرزية المدعومة من مجلس السويداء العسكري وعلي رأسه الشيخ حكمت الحاجري. ما أدى لتفاقم المواجهات في المدينة والمناطق الريفية.
الخسائر والإجراءات المتخذة:
- عدد القتلى تجاوز 150 إلى 350 بحسب تقديرات مختلفة، بما في ذلك عشرات المدنيين وأعضاء قوات من النظام والعشائر.
- تدخلت إسرائيل بضربات جوية لاستهداف القوات السورية حول السويداء ودمشق، معللة ذلك بضرورة حماية الدروز، ما أثار غضب الحكومة السورية.
- أُعلن وقف إطلاق النار بالتوسط الأميركية والتركية وبعض الدول العربية، مع انسحاب القوات السورية من المدينة ونقل المسؤولية الأمنية إلى قيادات محلية درزية.
- لكن بعض الدروز، وعلى رأسهم الشيخ الحاجري، قالوا إن النظام خرق الاتفاق واستمر القصف على المدنيين، واعتبروه “حرب إبادة."
التوترات الاجتماعية:
- السخط الدروزي يتزايد بسبب تقارير عن انتهاكات من قوات النظام منها اقتحامات، نهب، وإهانات دينية (مثل حلق الشوارب لدى رجال الدرازة).
- ويُلاحظ استقطاب بين الزعامات الدينية (مثل الحاجري الذي يحذّر من الحكومة) وأخرى حاولت التهدئة والتعاون.
