عاجل

استشاري أسري: شهاب ضحية غياب الأسرة.. والعقوبة لا تُصلح ما أفسدته البيئة

شهاب
شهاب

في مشهد أعاد إلى الأذهان قضايا الطفولة الضائعة، أثار ظهور الطفل المعروف إعلاميًا بـ"شهاب بتاع الجمعية" في مقطع فيديو يوثق اعتداءه على آخر داخل ميكروباص باستخدام سلاح أبيض، حالة من الجدل الواسع على منصات التواصل الاجتماعي. 

وبين مطالبين بمعاقبته قانونيًا، ومتعاطفين مع ظروفه الاجتماعية القاسية، انقسم الرأي العام حول الطفل الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، لكنه أصبح رمزًا لحالة اجتماعية معقدة.

الجدل يتصاعد.. عقوبة أم رعاية؟

ورغم الإجماع شبه الكامل على أن ما ارتكبه الطفل يُعد جريمة تهدد سلامة المواطنين، فإن البعض اعتبر أن معاقبته بإيداعه إحدى دور الرعاية لمدة عامين قد تكون خطوة غير مجدية، بل وربما تزيد من احتمالية تحوله إلى "مجرم معتاد". 

وعلى الجانب الآخر، يرى آخرون أن العقوبة جاءت لتضع حدًا لحالة من الفوضى السلوكية المنتشرة في بعض المناطق، ولتكون رسالة ردع واضحة لكل من يحذو حذوه.

المثير في القضية ليس فقط الفيديو، بل ما تبين لاحقًا عن خلفية الطفل الذي اضطر إلى ترك الدراسة مبكرًا لإعالة والدته وشقيقاته في غياب الأب، ليجد نفسه في الشارع، بين مطرقة الفقر وسندان الانحراف.

رأي المتخصصين: ضحية أكثر من جانٍ

وفي تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، قال الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن حالة "شهاب" ليست استثناءً، بل تمثل نموذجًا متكررًا في مجتمع يعاني من خلل في التنشئة والتماسك الأسري، مؤكدًا أن الطفل هو في الأصل ضحية بيئة فقيرة بالقيم، ومفتقرة للرعاية والتوجيه.

وأضاف: "الأسرة هي الحاضنة الأولى للقيم، والطفل الذي ينشأ في غياب رقابة أبوية أو دعم نفسي، غالبًا ما يكتسب سلوكياته من الشارع، حيث القدوة مشوهة، والمعايير مختلة".

وأشار هندي إلى أن دور الرعاية، رغم كونها ملاذًا آمنًا للبعض، إلا أنها ليست بديلًا كاملًا عن الأسرة، فهي تقدم خدمات أساسية، لكنها لا تمنح الطفل الإحساس بالدفء والانتماء الذي يصنع شخصية سوية.

بين الواقع والقانون.. من يحاسب من؟

قانونًا، لا يُعفى الطفل من المسؤولية الجنائية إذا ثبتت خطورته على المجتمع، لكن القوانين المصرية تأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني عند التعامل مع الأحداث. وفي حالة شهاب، يرى خبراء القانون أن إيداعه في دار رعاية لمدة عامين يُعد من العقوبات المخففة نسبيًا، نظرًا لحداثة سنه وعدم وجود سوابق إجرامية.

لكن التساؤل الأهم يظل: هل الاكتفاء بالعقوبة يكفي؟ أم أننا بحاجة إلى مقاربة أعمق تشمل التأهيل النفسي، والدعم الأسري، والتدخل الاجتماعي المبكر قبل أن تتفاقم هذه الظواهر؟

"شهاب".. مرآة لأزمة مجتمعية أوسع

ما بين ردود أفعال غاضبة، وأخرى مشفقة، يتحول شهاب من مجرد "واقعة فردية" إلى مرآة تعكس مشكلات اجتماعية متراكمة، أبرزها: تسرب الأطفال من التعليم، غياب الوعي الأسري، تفكك الروابط الاجتماعية، وتراجع الدور التربوي لمؤسسات الدولة.

ويشير نشطاء على مواقع التواصل إلى أن "شهاب" ليس حالة نادرة، بل واحد من مئات الأطفال الذين يعيشون في هامش الحياة، ويواجهون مصيرًا غامضًا دون رعاية أو حماية، وهو ما يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والمنظومات التعليمية والرقابية.

توصيات على الطاولة

في ضوء هذه الواقعة، يرى الخبراء أن الحل لا يكمن فقط في العقوبة، بل في:

تفعيل برامج إعادة دمج الأطفال المعرضين للخطر في المجتمع.

إطلاق حملات للتوعية الأسرية حول مخاطر التفكك والإهمال التربوي.

دعم دور الرعاية المجتمعية بجوانب نفسية وتربوية متخصصة.

العمل على منع تسرب الأطفال من التعليم عبر مساعدات مادية وخطط بديلة.

قضية "شهاب" ليست عن سلاح أبيض وطفل ضل طريقه، بل عن مجتمع بحاجة إلى إعادة بناء من الداخل؛ من الأسرة إلى الشارع، ومن المدرسة إلى مؤسسات الرعاية. فالأطفال لا يُولدون خطرين.. إنما يُدفع بهم إلى الخطر حين يتخلى الجميع عن مسؤولياتهم.

تم نسخ الرابط