لماذا تحرص إسرائيل على الظهور كحامية للدروز في سوريا ؟

على مر العقود شكلت طائفة الدروز في بلاد الشام عنصرًا فاعلًا في الحياة السياسية والاجتماعية، إلا أن الحديث عنهم غالبًا ما يُستخدم كغطاء سياسي، مثلما تفعل إسرائيل التي توظّف قضية "حماية الدروز" لتبرير تدخلها في الشأن السوري.
واشتهرت الطائفة بعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية المؤثرة في تاريخ المنطقة، أبرزهم سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، والأمير شكيب أرسلان، والمفكر والسياسي اللبناني كمال جنبلاط، مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، إلى جانب نجله وليد جنبلاط، وطلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني.
لما تتعهد إسرائيل دائما بحماية الدروز في سوريا؟
يبلغ عدد الدروز الإسرائيليين بنحو 130 ألف نسمة، يتركز وجودهم في منطقتي الكرمل والجليل شمال البلاد، وعلى خلاف باقي الأقليات داخل إسرائيل، يتم إلزام الشبان الدروز بالخدمة العسكرية الإلزامية منذ عام 1957، حيث يتم تجنيد الذكور الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويتمتع العديد منهم بمسارات مهنية ناجحة داخل المؤسسة العسكرية، حيث يترقون إلى رتب ومناصب قيادية، كما يشغل كثيرون من أبناء الطائفة مواقع بارزة في الشرطة وجهاز الأمن.

العقيدة الدرزية.. مذهب غامض
تكتنف العقيدة الدرزية كثيرًا من الغموض بسبب الطبيعة السرية للمذهب، حيث يُحظر تعليمه إلا للنخبة من أبناء الطائفة، ويُقال إنه لا يُكشف إلا لمن بلغ الأربعين من عمره، رغم نفي البعض لذلك.
ويعرف الدروز أنفسهم باسم "الموحدين" أو "بني معروف"، وهو اسم قبيلة عربية تبنّت العقيدة الدرزية في بداياتها، وتعتمد على ما يسمى بـ"ميثاق ولي الزمان"، وهو قسم يُعد بوابة الدخول إلى المذهب، ويعدونه عهدًا أزليًا، كما يتميز المجتمع الدرزي بالتماسك والانغلاق الثقافي والاجتماعي، ويشتهر رجاله بإطلاق الشوارب كرمز ديني.
جذور المذهب وتأثره بالفكر الإسماعيلي
تؤمن الطائفة بمذهب التوحيد، وتستلهم الكثير من تعاليمها من الإسماعيلية، لكنهم يضيفون إليها تأويلات فلسفية وروحية متأثرة بمدارس فكرية متعددة. ويؤمنون بوحدانية الله المطلقة، ويعتبرون العقل البشري عاجزًا عن إدراك كنهه.
كما يؤمن الدروز بالقرآن الكريم، لكنهم يفسرونه تفسيرًا باطنيًا خاصًا، ويعتمدون على كتابهم المقدس "رسائل الحكمة" الذي ألّفه حمزة بن علي بن أحمد، ويمنع الاطلاع عليه إلا من قبل شيوخ الطائفة.
ورغم أن أصول المذهب تنحدر من الإسلام الإسماعيلي، فإن الدروز لا يعرّفون أنفسهم كمسلمين علنًا، ويرجع البعض ذلك إلى التقية السياسية، حفاظًا على الطائفة من الاضطهاد.
ومن أبرز معتقداتهم أيضًا تناسخ الأرواح، أي أن الروح تنتقل مباشرة إلى جسد جديد بعد وفاة الجسد السابق، وهي عقيدة مركزية في مذهبهم.

بنية المجتمع ودرجات الطائفة
ينقسم المجتمع الدرزي إلى ثلاث درجات:
- 1- العقل: وهم رجال الدين، وينقسمون إلى رؤساء وعقلاء وأجاويد، ويترأسهم "شيخ العقل".
- 2- الأجاويد: وهم المتدينون والمطلعون على تعاليم الدين.
- 3- الجهّال: وهم عامة الناس غير المنخرطين في الروحانيات.
ويُسمح فقط للطبقة الروحانية بدخول "الخلوات" – أماكن العبادة الدرزية – وسماع التلاوات، باستثناء مناسبة واحدة تُفتح فيها الأبواب للعامة، وهي عيد الأضحى الذي يوافق عيد المسلمين.
نشأة المذهب الدرزي
ترجع نشأة العقيدة إلى فبراير عام 1021م حينما اختفى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله دون أن يُعرف مصيره، حيث رفض حمزة بن علي أحد مبعوثيه إلى الشام الاعتراف بوفاته، واعتبره سيعود ليملأ الأرض عدلًا، معلنًا بذلك انشقاقه عن الدولة الفاطمية، وهي اللحظة التي وُلد فيها الفكر الدرزي.
الحضور التاريخي والسياسي
عانى الدروز من الاضطهاد الديني، ما دفعهم للجوء إلى مناطق جبلية في سوريا ولبنان وفلسطين، ورغم قلتهم العددية، كان لهم حضور سياسي وعسكري مؤثر، فشاركوا الأيوبيين والمماليك في مواجهة الصليبيين، وتمردوا على الدولة العثمانية، مستفيدين من وعورة مناطقهم.
وبرزت في تاريخهم عائلات إقطاعية مثل آل معن، الذين قادهم فخر الدين المعني الثاني، متحديًا الدولة العثمانية بتحالفاته مع الموارنة ودول أوروبية، كما ظهرت عائلات مثل الشهاب وأصلان وجنبلاط.

الدروز في بلاد الشام
في سوريا يبلغ عددهم بأكثر من 600 ألف، ويتمركزون أساسًا في محافظة السويداء ومنطقة جبل العرب، وقد لعبوا دورًا رئيسيًا في ثورة 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش، وأسهموا في الإطاحة بحكومة أديب الشيشكلي عام 1954.
أما في لبنان فيبلغ عددهم أكثر من 300 ألف، ويتمركزون في الجهة الغربية لجبال لبنان، وقد مثلهم سياسيًا كل من كمال جنبلاط، ونجله وليد، إلى جانب آل أرسلان.
بينما في فلسطين يتمركزون في شمال ووسط البلاد، وبعضهم يعيش في الأراضي المحتلة ويحمل الجنسية الإسرائيلية، ما يثير جدلًا حول علاقة الطائفة بالكيان الصهيوني.
الطائفة والسياسة الحديثة
عانت الطائفة من الانقسام السياسي مع اشتداد الخلاف بين لبنان وسوريا، وبلغ الأمر ذروته بعد الثورة السورية عام 2011، حيث انقسم الزعيمان وليد جنبلاط وطلال أرسلان في الموقف من النظام، إذ دعم الأخير بشار الأسد، بينما عارضه الأول.
وبرزت شخصيات مثل وئام وهاب التي دعت لتسليح الطائفة، في حين رفض آخرون ذلك مؤكدين على الحياد، وداعين المعارضة السورية لفهم خصوصية المجتمع الدرزي.
أحداث مؤلمة ومفصلية
في يونيو 2015، قتل عناصر من "جبهة النصرة" عددًا من أبناء الطائفة في إدلب، في حادثة دانها وليد جنبلاط وطالب باحتوائها سياسيًا.
وفي سبتمبر من العام نفسه، لقي الشيخ البلعوس المعارض لنظام الأسد والمعارضة المسلحة معًا مصرعه في تفجير بسيارة مفخخة، في عملية وُجهت فيها أصابع الاتهام للنظام السوري، إذ كان الشيخ من أبرز رافضي الخدمة العسكرية الإلزامية خارج السويداء، وقاد تظاهرات اجتماعية.
وردًّا على مقتله، سيطر مقاتلون من "مشايخ الكرامة" على فرع الأمن العسكري في السويداء، وأسقطوا تمثال حافظ الأسد، مطالبين بالقصاص للشيخ الذي مثّل صوتًا حياديًا يسعى لحماية الطائفة دون انخراط في الصراع.
وفي سبتمبر 2023، خرج المئات في السويداء في مظاهرات شعبية بدأت بمطالب معيشية ثم تحوّلت إلى مطالبات بإسقاط نظام بشار الأسد، في تطور نادر في المحافظة ذات الغالبية الدرزية.
الانتشار العالمي للدروز
بفعل الأزمات والصراعات، هاجر عدد كبير من أبناء الطائفة إلى الخارج، خاصة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، حيث يُقدّر عدد الدروز حول العالم اليوم بنحو 1.5 مليون نسمة.