هل يجوز كتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد؟.. الإفتاء توضح الضوابط

أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه ينبغي عند كتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد وغيرها من المواضع العامة، الالتزامُ بجملة من الضوابط، أبرزها: أن تكون الكتابة متقنةً ومحكمةً من حيث التنفيذ، بعيدةً عن مظنة السقوط أو التعرض للإهمال والامتهان، مع ضرورة العناية المستمرة بها من صيانةٍ وتنظيفٍ وترميم. كما يُستحب مراعاة التناسق بين الخط والمضمون، بحيث يجتمع جمال التشكيل مع هيبة المعنى، على نحوٍ يعكس الروح الجمالية والجلالية للقرآن الكريم، كما هو ظاهرٌ في فنون العمارة الإسلامية في مختلف العصور، والتي تجلَّت في زخارف المساجد بلمسات فنية راقية، أصبحت اليوم من المعالم التاريخية البارزة في أرجاء العالم الإسلامي
ضوابط كتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد
تُعد كتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد من الأمور الجائزة في الشريعة الإسلامية، وقد جرى عليها عمل المسلمين منذ القرون الأولى، واعتبروها من تعظيم شعائر الله، وتجسيدًا لعمارة المساجد ورفعها ماديًّا وروحيًّا، تلبيةً لقوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾.
وقد ازداد الاهتمام بالزخرفة والنقش في العصر الحديث، حيث صار ذلك من مظاهر التقديس والاحترام، حتى إن الناس باتوا يزيّنون منازلهم ومجالسهم الخاصة بكل نفيس، فمن باب أولى أن يُظهروا هذا الجمال والوقار في بيوت الله.
غير أن هذه الزينة لا تُترك على إطلاقها، بل قيدها العلماء بضوابط شرعية؛ منها ما هو متفق عليه ويجب الالتزام به، كأن تكون الكتابة متقنة وثابتة، مصونة من الإهمال والامتهان، ومنها ما وقع فيه الخلاف، مثل وضعها في جهة القبلة، أو استخدام الذهب فيها، أو تمويلها من مال الوقف، أو المغالاة في الزخرفة.
والكراهة أو التحريم التي أطلقها بعض الفقهاء إنما تعلقت عندهم بتخلّف أحد هذه الضوابط.
أولًا: ضوابط الكتابة في المذهب الحنفي
ذكر الحنفية أن الأصل في كتابة الآيات على الجدران عدم الكراهة، بشرط السلامة من الامتهان واللهو.
قال في “الفتاوى الهندية”: “ليس من الحَسَن كتابة القرآن على المحاريب والجدران؛ خشية سقوط الكتابة ووطئها بالأقدام”، كما نقلت “فتاوى قاضي خان” آراء مختلفة في الجواز والكراهة بحسب تحقق هذا التخوّف.
ونقل ابن عابدين في “الحاشية” عن “الفتح” أن الكراهة تدور على أمرين:
• أن تكون الكتابة مُلْهِيَة للمصلي،
• أو أن تكون معرضة للسقوط والامتهان.
فإذا انتفى هذان السببان، انتفت الكراهة.
ثانيًا: ضوابط الكتابة في المذهب المالكي
يرى المالكية أن تزويق جدران المساجد وكتابة الآيات فيها مكروه إذا أدى إلى إشغال المصلين.
قال البرزلي: “كُره تزويق القبلة بالذهب؛ لأنه يشغل المصلي”، إلا أن هناك من جوّز الكتابة إذا لم تكن مُلهية، واستدل برؤية ذلك في جامع القيروان والزيتونة من غير نكير.
العلامة الدسوقي صرّح بأن الزخرفة إن لم تكن مُلْهِيَة فهي جائزة، حتى لو كانت من الذهب.
فالضابط عندهم أن لا تشتت ذهن المصلي، لا أن تُمنع مطلقًا.
ثالثًا: ضوابط الكتابة في المذهب الشافعي
المذهب الشافعي أكثر توسعًا في هذا الباب، إذ أجاز الكتابة والتزيين متى كان الهدف تعظيم المساجد وإظهار جمالها، بشرط أن تكون الكتابة مُحْكمة، لا تُفضي إلى التحقير أو تشغل المصلي.
نقل الإمام السبكي أن تزيين الكعبة بالذهب فعله الخلفاء، ولم يُنكر عليهم أحد، واستدل بقول ابن مسعود: “ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن”.
وذكر الزركشي أن الكتابة تُكره فقط إن كانت غير مُحكَمة أو عرضة للسقوط، أو كانت تُلهي المصلي، وإلا فهي جائزة.
رابعًا: ضوابط الكتابة في المذهب الحنبلي
عند الحنابلة، يُكره تزيين المساجد بالزخرفة والكتابة إذا كانت تُشغل المصلي غالبًا، كما في “كشاف القناع”.
ومع ذلك، فالمفهوم المخالف لهذا التعليل أن ما لا يُلهي المصلي لا يُكره.
بل إن بعض العلماء، كعطاء بن أبي رباح، لم يروا بأسًا بكتابة الآيات في جهة القبلة، وهو ما فعله عمر بن عبد العزيز في المسجد النبوي الشريف، واعتُبر من تعظيم المساجد.
وقد استدل بعضهم بأن المصلّي مشغولٌ بصلاته، ولا ينبغي أن يُلهيه شيء خارج عنها