على إسلام: البرنامج النووي المصري «مش رفاهية» ولكنه أمن قومي | ندوة

-رئيس هيئة الطاقة الذرية الأسبق: البرنامج النووي المصري مش رفاهية ده جزء من الأمن القومي
-فقدنا جيل كامل من علماء الطاقة النووية ونعاني مشكلة الانفصال المعرفي
-نحتاج "العقل المفكر" وليس "المُشغل" في البرنامج النووي
-مفاعل الضبعة الأعلى أمانًا في العالم
-محطات الكهرباء التقليدية تطلق إشعاعات أكثر ضررًا من المحطات النووية
-العقيدة النووية الإيرانية لا تختزل في مباني ومفاعلات
-الضربات الأمريكية للبرنامج النووي الإيراني كانت موجعة لكنها لم تكن "قاصمة"
في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتكرار استهداف المنشآت النووية الإيرانية، يعود الحديث مجددًا عن مدى صلابة البرامج النووية في منطقتنا، وقدرتها على الصمود في وجه الضربات.
ومن هنا تأتي أهمية الاستماع إلى صوت خبير عاش تفاصيل المشروع النووي عن قرب، ويملك رؤية علمية وفنية متعمقة في هذا المجال، وفى هذه الندوة الخاصة لـ " نيوز رووم " يفتح الدكتورعلي إسلام، الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة النووية، صندوق أسرار البرامج النووية في المنطقة وفى مقدمتها البرنامج النووى الإيرانى، مؤكدًا أن "البرنامج لا يُبنى بالخرسانة وحدها، بل بالعقول" محذرًا من تجاهل العنصر البشري في أي نهضة نووية حقيقية .. وإلى نص الحوار:
في البداية حدثنا عن فترة وجودك في رئاسة هيئة الطاقة الذرية؟
علاقتي بالبرنامج النووي المصري بدأت منذ سنة 2001. واستمرت حتى 2008، يعني حوالي سبع سنين من المتابعة والانخراط المباشر، ومن قبلها كان هناك تواصل ومتابعة، خاصة في الفترات التى كانت فيها الهيئة النووية في مراحل التأسيس.
ما الذي كنت تراه أهم عناصر البرنامج النووي خلال فترة عملك؟
أهم حاجة بالنسبة لي كانت "البنية البشرية"، العقول المصرية هي العمود الفقري الحقيقي للبرنامج النووي، لدينا عقول متميزة، لكن للأسف كثير منها ابتعد
بعد الضربات الإسرائيلية والأمريكية كيف ترى مستقبل البرنامج النووي الإيراني؟
المشروع النووي الإيراني لا يمكن اختزاله في مبانٍ أو مفاعلات، العقيدة النووية الإيرانية قائمة على الاستمرارية، صحيح الضربات كانت موجعة، واستهدفت حتى الكوادر البشرية، لكن إيران أثبتت قبل كده قدرتها على إعادة بناء ما تهدم.
البعض يقول إن المشروع النووي الإيراني تلقى ضربة قاصمة.. هل تتفق؟
لا أظن أنها "ضربة قاصمة". هي ضربة قوية، لكن مش النهاية. لازم نفرق بين ضرب مفاعل، وضرب محطة تخصيب، فالمفاعلات شيء، ومحطات التخصيب شيء تاني تمامًا. الضربة لم تصل لمرحلة تفجير مفاعل كامل، وده كان ممكن يؤدي لكارثة إنسانية حقيقية.
كيف ترى خطورة ضرب المفاعلات مقارنة بمحطات التخصيب؟
لو تم استهداف مفاعل نووي فعلاً، فالنتيجة كارثية، إحنا بنتكلم عن احتمالات تلوث إشعاعي واسع، وتأثيرات صحية وبيئية لا تُحمد عقباها. لكن ضرب محطة تخصيب بيأثر على قدرات الدولة في التخصيب، مش على حياة الناس بشكل مباشر. وده فارق مهم.
هل تعتقد أن إيران تقدر ترجع تبني برنامجها من جديد؟
إيران عندها البنية التحتية، وعندها الإرادة، المهم إن العقول ما تتضربش. البرنامج النووي ما هواش بس مفاعل ومواد، ده منظومة كاملة من العلماء، والمهندسين، والتقنيين. لو حافظت على الكوادر دي، تقدر تبدأ من جديد.
ما الدرس الذى نتعلمه في مصر من التجربة الإيرانية؟
إن العقول هي رأس المال الحقيقي، لو ضاعت، المشروع ينهار، إحنا لازم نحافظ على كوادرنا، وندرب شبابنا، ونبني مؤسسات علمية قوية، البرنامج النووي مش رفاهية، ده جزء من الأمن القومي.
ما حقيقة استهداف محطة "بوشهر" الإيرانية ؟
بصراحة، من خبرتي أقدر أقول إن ده خبر لا يمكن يكون صحيح، وفعلاً في نفس اليوم اللي نُشر فيه، تم نفيه رسميًا، واتضح إن اللي صرّح مش من داخل إسرائيل أصلًا، إنما نُقل على لسان مصادر غير موثوقة. محطة "بوشهر" لم تُستهدف حتى الآن، ودي نقطة مهمة جدًا.
ولماذا لم يتم استهداف "بوشهر" تحديدًا رغم أهميتها؟
لأنها محطة طاقة نووية مدنية، واستهدافها بيحمل مخاطر كارثية مش بس على إيران، لكن على الإقليم كله، اللي بيوجه الضربات عارف كويس إن اختراق البُنى التحتية للمفاعلات ممكن يؤدي لحوادث إشعاعية ضخمة، تأثر على السكان والمياه الجوفية والمناخ المحلي. بمعنى أدق: "أنا وصلتلك.. بس ما عملتش الكارثة".
هل معنى ذلك أن المفاعلات النووية مصممة لمقاومة هجمات معينة؟
طبعًا المفاعلات دي مصممة بمعايير دولية شديدة الصرامة، مثلًا، الوعاء الحاوي للمفاعل بيكون بسمك من متر ونص إلى مترين، ومبني لتحمل اصطدام طائرة أو صاروخ. التصميم بيأخذ في اعتباره أقصى درجات الخطورة.
ماذا لو حدث اختراق فعلي للمفاعل أثناء التشغيل؟
ده أخطر سيناريو ممكن يحصل، لو مفاعل شغال وتعرض لضربة تؤثر على أنظمة التبريد أو على الهيكل نفسه، ممكن يدخل في حالة انصهار نووي، وهنا بيبقى فيه خطر تسرب إشعاعي عالي جدًا يوصل للمياه الجوفية أو الهواء، وده بيسبب كوارث بيئية مستحيلة الاحتواء.
هل يمكن وقف المحطة نووية وقت الطوارئ؟
إطلاقًا المحطة النووية مش زي محطة الكهرباء العادية، لما تحب توقفها، بيبقى فيه إجراءات تقنية معقدة، وحتى بعد الإيقاف، بيستمر تشغيل أنظمة التبريد لفترة طويلة جدًا، وإلا المفاعل يدخل في حالة عدم استقرار.
هل تستطيع إيران فعليًا أن تستأنف برنامجها النووي بنفس الكفاءة؟
المسألة هتتوقف على حاجتين: الكوادر الفنية، والبنية التحتية. لو تم القضاء على الكفاءات أو توقفت منظومة المعرفة، فالتقدم هيبطأ جدًا. لكن لو الكوادر العلمية لسه موجودة وورش التصنيع شغالة، هيقدروا يستكملوا. إنما ده بيعتمد على مستوى المعلومات اللي بيوصلهم.
هل إيران كانت تسعى لدورة الوقود النووي الكاملة؟
نعم، إيران حاولت تمتلك الدورة الكاملة: من استخراج اليورانيوم الخام، لتحويله إلى كعكة صفراء، ثم تخصيبه، وصولًا إلى الوقود النووي النهائي. دي عملية معقدة جدًا، ومش كل الدول قادرة تعملها.
وهل تخصيب اليورانيوم في حد ذاته خطر؟
على حسب النسبة، المفاعلات البحثية بتشتغل بتخصيب لحد 20%. لكن لو عدينا الـ60%، بنقرب من حدود الاستخدام العسكري، وهنا بيبدأ القلق الدولي، ما يفرق بين الطاقة السلمية والطموح العسكري هو نسبة التخصيب وطبيعة المفاعل.
هل من الممكن حدوث تسرب إشعاعي حتى لو كان المفاعل متوقف؟
طبعًا حتى المفاعل المتوقف محتاج تبريد مستمر، لو حصل عطل في أنظمة التبريد أو في ماسورة مهمة، وفضل الوقود بدون معالجة، ممكن ترتفع حرارته وتتحول لحالة طارئة، كل ده بيتسبب في انبعاث مواد مشعة في الهواء، توصل لدول مجاورة وتبقى كارثة حقيقية.

في رأيك، ما هو التحدي الأكبر أمام إيران اليوم؟
التحدي مش في إعادة بناء المنشآت، لكن في الحفاظ على الكوادر الفنية، لو تم تفريغ البرنامج من عقوله، هيتحول إلى مشروع فارغ، بياخد وقت طويل جدًا علشان يرجع. إنما لو المعرفة محفوظة، والورش لسه عندها قدرات تصنيع، إيران ممكن ترجع وبقوة.
ترددت مؤخرًا أنباء عن تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
إيران أعلنت بالفعل تعليق بعض أوجه التعاون، لكنها لم تنسحب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ودي نقطة جوهرية. الانسحاب شيء، والتجميد المؤقت للتعاون شيء تاني، وحقيقة الامر إنهم أعلنوا رفضهم لبعض إجراءات التفتيش، لكنهم ما لغوش التزاماتهم القانونية بموجب المعاهدة.
ما الذي يعطي الوكالة الدولية الحق في التفتيش داخل الدول؟
الوكالة الدولية للطاقة الذرية عندها تفويض بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT). من حقها تتبع مسار المواد النووية في الدول المنضمة للمعاهدة. يعني لو دولة عندها يورانيوم، لازم تبلغ عن مكانه، وحركته، وكمية المخزون. ده مش تدخل، ده التزام قانوني لتأكيد السلمية.
وهل من حق إيران إيقاف هذا التعاون؟
ليس بسهولة لأن البروتوكولات الإضافية اللي وقّعت عليها إيران بتلزمها بإبلاغ الوكالة بكل التفاصيل. حتى مجرد التفكير في بناء مفاعل جديد لازم يتسجل. وده معمول به عالميًا، اللي حصل إن إيران بتحاول تستخدم "تعليق التعاون" كورقة ضغط سياسية، لكنها ما خرجتش من الإطار القانوني.
البعض يقول إن إسرائيل غير موقعة على المعاهدة كيف يُطلب من إيران الالتزام؟
دي مفارقة كبيرة فعلاً، إسرائيل لم توقّع على المعاهدة، لكنها ليست الدولة الوحيدة. ومع ذلك، المجتمع الدولي بيركز حاليًا على إيران لأنها دولة أعلنت سعيها لتطوير قدرات نووية وتخصيب عالي، وده بيخلق حساسية، خاصة في الشرق الأوسط.
بالنسبة لتخصيب اليورانيوم في إيران ما خطورة الوصول لنسب 20% أو أكثر؟
أي تخصيب فوق 20% بيقرّبك من الاستخدام العسكري. المفاعلات النووية عادة ما تحتاج 3–5% تخصيب فقط. لما تبدأ توصل لـ20% أو أكتر، فأنت على عتبة المواد القابلة للاستخدام في السلاح. وهنا يبدأ القلق الدولي.
ماذا عن استهداف العلماء الإيرانيين؟ هل هو مؤشر على أن المشكلة أعمق من تدمير منشأة؟
طبعًا، استهداف العلماء بيكشف إن الحرب مش على البنية فقط، لكنها كمان على "العقل". لما تستهدف عالم معين، فأنت بتحاول تقطع سلسلة المعرفة. وده خطر جدًا. العالم ممكن يكون عنده أفكار غير موثقة، أو تجارب فريدة، وضياعها بيؤثر بشكل مباشر على البرنامج.
هل هذا يعني أن البرنامج ممكن ينهار بضربة موجهة ضد العلماء فقط؟
مش بالضرورة، ده بيعتمد على النظام. لو النظام قائم على فرد واحد، فغيابه كارثي. لكن لو فيه أرشفة، ونقل للمعرفة، وبنية مؤسسية قوية، البرنامج بيستمر. لكن أكيد استهداف الكوادر بيأخر التقدم، وربما يُفقد الثقة داخل الفريق العلمي.
في ظل هذه التوترات، هل تعتقد أن إيران لا تزال قادرة على إنتاج سلاح نووي؟
ده بيحتاج نقاش دقيق. القدرة النظرية قد تكون موجودة، لكن التطبيق الفعلي محتاج توافر مواد مخصبة بنسب عالية، وتجارب معقدة، وسرية عالية. والمعلومات الأخيرة اللي بتتكلم عن 408 كيلو من اليورانيوم عالي التخصيب، لو صحّت، فهي تقربهم كثيرًا من إنتاج سلاح.
في ظل كل ما يحدث هل هناك تهديد حقيقي في المنطقة من انفجار نووي أو حادث؟
ليس بالمعنى الحرفي، لكن فيه تهديد من سوء تقدير، أي ضربة لمنشأة نووية تعمل أو أي فشل في التحكم في المواد المشعة ممكن يسبب كارثة بيئية،والذى يحمي العالم من هذا هو الرادع السياسي، والتفاهم غير المُعلن بين الأطراف الكبرى.
تحدثت عن أن المعرفة النووية ليست متاحة للجميع هل تقصد أن هناك "أسرار مهنية" لا تُعلّم؟
بالضبط. في المجال النووي، في حاجة بنسميها "التكة" أو "بهارات الطبيخ"، ودي مش مكتوبة في أي كتاب، ولا هتتعلمها من كورس على الإنترنت. دي أسرار ما بتتكتبش، وما حدش بيبيعها، ومش أي دولة بتسربها. اللي يعرفها هو اللي اشتغل بيده فيها أو تم تعليمه على يد جهة أقوى.
هل الدول النووية تساعد غيرها في الوصول للمعرفة؟
أبدًا. مفيش دولة نووية بتعلم غيرها تفاصيل التقنيات الحساسة. كل مشروع نووي ناجح في أي دولة بيكون وراه "نقل خبرة" من دولة نووية أخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. مفيش حاجة بتحصل من فراغ.
هل هذا السبب الذى يجعل دولة مثل مصرمحط أنظار في التعاون النووي؟
طبعًا. مصر دولة تعى تماما معنى نووي،لدينا خلفية، كفاءات، مكانة إقليمية. ،ولذلك روسيا ودول اخرب بتهتم بالتعاون مع مصر . لأنهم عارفين إن مصر مش مجرد "زبون"، دي شريك فاهم اللعبة.
هل السلاح النووي مجرد أداة رعب، ولا فعلًا وسيلة دفاعية؟
السلاح النووي مش معمول عشان يُستخدم، هو معمول علشان "يردع". يعني يكون موجود علشان يمنع الطرف التاني يفكر يهاجمك. لأن أي استخدام حقيقي له بيفتح أبواب جهنم. شوف مثلًا: إسرائيل كانت دولة نووية في 1973، ومع ذلك ما استخدمتهوش. الهند وباكستان في أوقات توتر ما استخدموش السلاح. ليه؟ لأنه ببساطة، استخدامه مش سهل.
هل معنى هذا أن امتلاك السلاح النووى يصنع "عتبة نفسية" في الصراع؟
بالضبط. امتلاك القدرة النووية بيخلي كل الأطراف تفكر ألف مرة قبل ما تاخد قرار خاطئ. مجرد وجوده بيزرع الخوف. وده اللي بنسميه "عتبة الردع". لكن استخدامه؟ ده بيحصلش إلا في سيناريوهات الانتحار، أو لما توصل لحالة فقدان العقل الكامل.
لكن رغم ذلك العالم لم يتخلص من السلاح النووي، لماذا؟
لأن الكل عارف إن امتلاك السلاح النووي بيمنحك مكانة سياسية وعسكرية. في دول كتير بتمتلك السلاح، لكنها مش قادرة تستخدمه حتى في أقسى الظروف. هو سلاح "ما بعد التفكير"، مش "أداة هجوم". واللي يفكر يستخدمه لازم يستحمل تبعاته. علشان كده معاهدة حظر الانتشار بتناشد الجميع بالتقليل، لكن الواقع بيقول إن الردع لسه هو الأساس.
هل في رأيك في دول بتسعى سرًا للوصول لسلاح نووي؟
طبعًا. كل دولة عندها طموح إقليمي أو بتمر بتهديد وجودي بتفكر في ده، حتى لو ما أعلنتش. بس الفارق الحقيقي مش بس في وجود المواد، لكن في القدرة على تصنيع "الخلطة" السرية.
في ظل النقاشات الحالية، هل الطريق لصناعة القنبلة النووية واحد؟
لا، في طريقين أساسين. الأول هو طريق "التخصيب"، وده الأسهل تكنولوجيًا. بتبدأ من اليورانيوم الطبيعي اللي فيه نسبة ضئيلة جدًا من يورانيوم-235، وبتستخدم أجهزة الطرد المركزي علشان ترفع النسبة تدريجيًا.
أما الطريق التاني، فهو عبر "إعادة المعالجة" لمفاعلات نووية، وده بيكون المبرر الظاهري ليها سلمي، لكنه بيسمح باستخلاص البلوتونيوم من الوقود المستنفد. وده طريق معقد جدًا، ومش أي دولة تقدر تمشي فيه، لأنه محتاج تقنيات كيماوية دقيقة، وأمان عالي جدًا
وهل إيران سارت في الطريقين؟
الظاهر إن إيران ركزت أكتر على طريق التخصيب، لأنه أقل تكلفة وأسهل في التبرير. وعندها بنية تحتية ضخمة من أجهزة الطرد المركزي، كانت في الأول من النوع القديم البطيء، وبعد كده طوروا نسخ أحدث زي IR-6 وIR-9، ودي سرعتها وكفاءتها أعلى بكثير.
وهل فعلاً إيران وصلت لنسبة تخصيب 60%؟
حسب المعلن دوليًا، نعم. وده رقم خطير. لأن بين 60% و90%، اللي هي نسبة السلاح، الفرق تقنيًا مش كبير زي الفرق بين 0.7% و3%. المرحلة الأولى من التخصيب هي الأصعب، لأنها بتحتاج مجهود كبير وطاقة ضخمة. لكن لما توصل لـ60%، فانت قطعت 90% من الطريق.
يعني لو عندهم 400 كجم مخصب بنسبة 60%، هل يقدروا يعملوا سلاح؟
تقنيًا، نعم. لو عايزين يوصلوا بيها لتسعين في المية، ومتوفر عندهم أجهزة طرد من النوع المتقدم، العملية هتاخد وقت قصير نسبيًا. لكن لو عندهم فقط الأجهزة القديمة، هياخدوا وقت أطول. وده اللي الغرب دايمًا بيحاول يراقبه، لأن الزمن هنا عامل حاسم.
هل تملك إيران منشآت تخصيب سرية؟
مفيش تأكيد رسمي، لكن دايمًا فيه شكوك. وده جزء من اللعبة: إنك تخلي العالم مش متأكد. ولو فعلاً عندهم منشآت سرية، فده معناه إن قدرتهم على التحرك نحو إنتاج سلاح نووي أسرع من المتوقع.
هل يمكن مقارنة تخصيب اليورانيوم بـ"طبخة معقدة" كما ذكرت سابقًا؟
أيوه. وده تعبير دقيق جدًا. في البداية، لازم تشتغل بكميات ضخمة ومعدات كبيرة، ولما توصل لمستويات أعلى، تبقى بتتعامل مع مواد شديدة الحساسية. وفي الآخر، المكون السري مش في الأدوات، بل في "الخبرة والتكنيك" — زي الطبخ بالظبط. ممكن الوصفة تبقى معاك، لكن البهارات السرية هي اللي بتفرق، ودي مش بتتباع ولا بتتسرب بسهولة.
البعض يرى أن السلاح النووي ما هو إلا "رادع نفسي"، ما رأيك؟
ده صحيح. السلاح النووي مش معمول علشان يُستخدم، بل علشان ما يُستخدمش. هو بيخلق "عتبة نفسية" بتخلي الكل يفكر ألف مرة قبل ما يدخل حرب. حتى في أصعب الظروف، زي ما حصل في 1973، إسرائيل كانت نووية وما استخدمتهوش. لأن مجرد التفكير في التبعات كارثي.
هل وجود السلاح النووي يمنع الحروب؟
مش يمنعها تمامًا، لكنه بيمنع تصعيدها الكامل. يعني ممكن يحصل اشتباك، لكن الأطراف بتعرف فين تقف. لأن استخدام النووي هو نهاية اللعبة. ولو حصل، محدش هيكسب.
في ظل تعقيد المشهد النووي، هل ترى أن إيران بالفعل وصلت إلى "مرحلة هندسية نووية"؟
خليني أقول إننا لازم نميز بين امتلاك المعرفة، وامتلاك القدرة على التنفيذ. إيران عندها البنية المعرفية، والكوادر البشرية، وبعض البنية التحتية، لكن الوصول لمرحلة "الهندسة النووية" الكاملة، يعني إمكانية تصنيع رأس نووي فعّال، دي مسألة أكبر.
بعض التقديرات بتقول إن عندهم حوالي 400 كجم من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، وده كافٍ نظريًا لتصنيع قنبلة نووية أو أكثر. لكن ده لوحده مش كفاية، لأن تصنيع الرأس النووي نفسه بيحتاج تصميم معقد، وتصغير المواد، وده أصعب بكثير من مجرد التخصيب.
يعني ليس مجرد امتلاك المادة الخام؟
بالضبط. المادة دي زي "العجينة"، لكن لعمل "المنتج النهائي" محتاج فرن، أدوات، ومقادير مضبوطة جدًا. الفرق بين 60% و90% في التخصيب مش كبير من حيث الوقت، لكنه كبير من حيث العواقب الدولية، والشكوك اللي بتثيرها. وده بيخلي الغرب يراقب بدقة أي تحرك جديد.
وهل القنبلة النووية مسألة أوزان فقط؟
لا خالص، البعض بيقارن مثلًا قنبلة هيروشيما بوزنها، لكن المسألة مش بالوزن بس. المهم هو الكتلة الحرجة، وطريقة التفجير، والمواد المساعدة، وشكل الرأس، والتصغير عشان يبقى مناسب للتوصيل برأس صاروخ.
يعني فيه فرق كبير بين قنبلة بدائية، وسلاح نووي متطور يمكن استخدامه فعليًا في ميدان المعركة أو كرادع استراتيجي.
هل العامل الحاسم هنا هو "المعلومة"؟
طبعًا. وده اللي الغرب بيحسبه كويس. المعلومات الحساسة، زي كيفية تجميع الرأس النووي، مش بتتباع ولا بتتسرب بسهولة. حتى لو عندك المادة، لو ما عندكش الـ know-how، مش هتقدر توصل.
وفيه دول بتراقب تحركات إيران مش بس بالأقمار الصناعية، لكن كمان بتحلل تصرفاتها، تقاريرها، وحتى سلوك أفرادها.
من خبرتك، هل نظام التفتيش الدولي فعّال؟
النظام مش مثالي، لكنه أفضل الموجود. الوكالة الدولية للطاقة الذرية عندها صلاحيات متابعة من أول مرحلة التفكير في مشروع نووي، وحتى حركة المواد النووية واستخدامها.
فيه اتفاقيات مُلزمة، زى اتفاقية الضمانات، والبروتوكول الإضافي، وكل دولة عليها تبلغ مسبقًا بمواعيد معينة، وأماكن محددة، والوكالة بتشتغل زي مفتش التموين، بتفتش وتراقب ولو شكت فيك بتزود التفتيش. وده حصل مع دول كتير.
هل تقدر دولة تخبي نشاطات نووية سرًا؟
نظريًا، ممكن تخبي حاجة صغيرة، لكن مش بسهولة. لأن الوكالة بتطلب تفاصيل دقيقة جدًا، من جدول تشغيل المنشآت، لتقارير المخزون، حتى صور الأقمار الصناعية بتحلل حركة العربيات والشاحنات حوالين أي منشأة نووية.
هل ممكن سيناريو العراق يتكرر؟
للأسف، ممكن. الفرق بين إيران والعراق إن إيران تعلمت من التجربة. النظام العراقي قبل كل شروط التفتيش، ثم تم ضربه، وبالتالي إيران بتتفاوض بمنطق "توازن الردع"، لكن يبقى العنصر الأخطر هو "الجزء المجهول". ما لا يُرى في العلن هو اللي بيخلي الغرب متوتر. أي غموض أو غياب للشفافية بيرفع سقف القلق، وبيفتح الباب للضغوط، أو حتى التدخل العسكري.
هل ترى أن امتلاك السلاح النووي أصبح خيارًا مطروحًا لدول أكثر من السابق؟
للأسف، نعم. العالم بقى فيه "فوضى نووية مُنضبطة". فيه دول عندها السلاح ومحدش بيكلمها، زي الهند وباكستان وإسرائيل، وفيه دول بتحاول، وفيه دول عندها القدرة وما بتقولش، والمعادلة دلوقتي بقت: من يملك السلاح، يُحترم. ومن لا يملكه، يُهدَّد. وده بيدفع بعض الدول للتفكير في السلاح مش كسلاح هجوم، ولكن كرادع نفسي واستراتيجي. عتبة نفسية، بتخلي العدو يحسبها ألف مرة قبل أي تحرك.
ما تأثير حركة المخزون على طبيعة التفاعل الدولي؟
طبعًا بتفرق. مراقبة حركة المخزون النووي أمر حيوي للوكالة. الدولة التي تستورد أو تُحوّل أو تُخزن مواد نووية بشكل غير واضح، تثير الشكوك. وكل دولة ملزمة بإخطار الوكالة بتحركات المواد، والكمية، والمصدر، والوجهة، خاصة في ظل الاتفاقيات الثنائية مع الوكالة. أي غموض في هذا الملف بيقابل بزيادة التفتيش، أو طلبات توضيحية.
كيف تبدو العلاقة بين الهيئات المصرية المعنية بالملف النووي؟
الملف النووي المصري بيتوزع بين عدة جهات: هيئة المواد النووية، هيئة المحطات النووية، هيئة الرقابة النووية، وهيئة المحطات المائية، بالإضافة إلى مركز الأمان النووي ومركز تكنولوجيا الإشعاع. التنسيق بينهم ضروري، لكن التداخل أحيانًا بيعمل ارتباك، خاصة مع انتقال بعض الاختصاصات، زي ما حصل لما انتقل مركز الأمان من هيئة الطاقة الذرية إلى هيئة مستقلة.
هل تمتلك مصر حالياً جيلًا علميًا قويًا في المجال النووي؟
للأسف لا. إحنا فقدنا جيل كامل من العلماء اللي تربوا في فترة الستينات والسبعينات، زي جيل مصطفى مشرفة وسميرة موسى، وحتى تلاميذهم اللي اشتغلوا على مشروع إنشاص.
حاليًا، بنواجه مشكلة كبيرة في الانفصال المعرفي. الجيل الجديد بيتلقى تدريب فني في محطة الضبعة، لكن مش بالضرورة بيملك العمق المعرفي اللي يؤهله للتفكير العلمي النقدي أو الإبداع في المجال.
هل السبب ضعف التعليم الجامعي؟
الجامعات بتدي معرفة أساسية، لكن مش بتطلع "مفكرين". التعليم دلوقتي بيعتمد على التلقين، وغياب التدريب العملي، ومفيش تركيز على إزاي الطالب يفلتر المعلومات من الإنترنت أو المصادر، المعلومة بقت متاحة، لكن القدرة على فهمها وتوظيفها دي مش موجودة عند أغلب الطلاب. إحنا محتاجين نرجع ننتج "العقل المفكر" مش بس "المُشغِّل".
هل ما زال لمصر علماء نوويون بالخارج؟
فيه علماء مصريين في جامعات عربية ودولية، لكن مش عارف مدى الاستعانة الفعلية بيهم حاليًا. في فترات سابقة كانوا بيستعينوا بيهم كمستشارين أو مدربين. دلوقتي مش واضح.
هل تسديد روسيا لقرض محطة الضبعة باليورو بدلًا من الدولار له دلالة سياسية أو فنية؟
وارد طبعًا. التحول للعملة الأوروبية قد يكون لتخفيف الضغوط المالية عن مصر، أو لتسهيل السداد بعيدًا عن تقلبات الدولار. لكن التفاصيل الفنية الدقيقة مش عندي، وأنا بحب أتكلم بمعلومة موثقة.
هناك من ينتقد بناء محطة الضبعة، ويرى أن التكنولوجيا النووية قديمة، والطاقة الشمسية أوفر وأأمن.. ما رأيك؟
الطاقة النووية ليست قديمة، بل هي مستقبلية من حيث الاستدامة، والأمان، والعائد الاقتصادي. محطة الضبعة ستولد 4.8 جيجاوات من الكهرباء، وتخدم مصر لعقود مقبلة، والطاقة النووية مقارنة بالشمسية أو الرياح، أكثر ثباتًا واستقرارًا، وأقل في التأثيرات البيئية عند التشغيل المنتظم، التخلص من النفايات النووية آمن.. ولا تهديد للمياه الجوفية
ماذا عن مخاوف السكان والمستثمرين في منطقة الساحل الشمالي ؟
التخلص من النفايات النووية يتم وفقًا لمعايير دقيقة جدًا، ويتم عزله في مواقع هندسية خاصة، لا تقترب من المياه الجوفية ولا تؤثر عليها.
مستثمرون عقاريون أبدوا قلقهم من قرب المحطة من مشاريعهم في رأس الحكمة؟
هذه المخاوف غير علمية.. في فرنسا، وألمانيا، ودول كثيرة، توجد محطات نووية على مسافة قريبة من المدن أو المنتجعات، العبرة بالتدابير، بالتصميم، وبالرقابة،والمفاعل النووي في الضبعة مصمم بتكنولوجيا الجيل الثالث المتقدم، وهي من الأعلى أمانًا في العالم.
هل تسمح اتفاقيات الضمانات النووية للدول بإخفاء بعض المواقع ؟
الاتفاقيات تنص على أن الدولة الموقعة يجب أن تعلن عن كافة المواد النووية الموجودة لديها، وتوضح أماكنها وحركتها. لكن من حق الدولة – خلال المفاوضات – أن تطلب حصر التفتيش على مواقع محددة فقط، دون أن تتيح للوكالة الاطلاع على التفاصيل التكنولوجية أو البنية التحتية الدقيقة. وده بيتم غالبًا في إطار تفاوضي.
لكن هل هناك انبعاثات أو إشعاعات خطيرة خلال التشغيل؟
التشغيل العادي للمفاعل النووي لا ينتج إشعاعات مضرة خارج حدود المفاعل، بل على العكس، أبحاث علمية منشورة أثبتت أن بعض محطات الكهرباء التقليدية (خاصة الفحم والغاز) تطلق إشعاعات أكثر ضررًا من المحطات النووية.
الخطورة النووية تظهر فقط في حال وقوع حادث، وهو أمر نادر جدًا، ومحكوم بمعايير صارمة للطوارئ.
هل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفرض قيودًا صارمة على مصر؟
الوكالة تتعامل مع كل الدول بموجب اتفاقيات الضمانات، ومصر من الدول التي تحظى باحترام كبير في الوكالة، وتمت الإشادة بها رسميًا في مجلس المحافظين، أي مفتش نووي يتعامل مع مصر يرى مستوى من الشفافية يجعله لا يطلب تفتيشًا إضافيًا، وهذا يخفف الأعباء الرقابية.
هل ترى أن إيران أصبحت على العتبة النووية؟ وهل سيشجع ذلك دولًا مثل السعودية وتركيا؟
إيران بالفعل باتت قريبة جدًا مما يُعرف بـ"العتبة النووية"، لكن العالم لا يريد أن تصبح كل الدول قادرة على صنع قنبلة نووية، هناك دول غربية قد تسمح لدولة معينة بتطوير برنامج نووي لأسباب جيوسياسية، لكنها في النهاية ستقف ضد الانتشار الفوضوي، المسألة ليست فنية فقط، بل سياسية بالدرجة الأولى.