بين تأجير وحدات التغييز والمستحقات كيف توازن الدولة بين الإمدادات والاستثمار

في ظل الجهود المتواصلة لتأمين احتياجات السوق المحلي من الغاز الطبيعي، بالتزامن مع تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب خلال فصل الصيف، تتجه الحكومة إلى استيراد شحنات غاز مسال وتشغيل وحدات تغييز عائمة، بينما هناك تساؤل اقتصادي مشروع:
هل كان من الأفضل توجيه هذا الإنفاق إلى سداد مستحقات الشركاء الأجانب؟
ووفق تقديرات السوق، تتراوح تكلفة استئجار وحدات التغييز العائمة بين 5 و7 ملايين دولار شهريًا لكل وحدة، ما يعني إنفاقًا شهريًا يناهز 15 مليون دولار على الأقل، مع وجود ثلاث وحدات تغييز تحت التشغيل أو قيد الربط.
تأجير الوحدات حل مؤقت لتفادي انقطاعات الصيف
وفي هذا السياق، قال الدكتور أحمد جمال الدين ، خبير اقتصادي ، إن تأجير وحدات تغييز الغاز أمر اضطراري في ظل ضغوط الطلب، خاصة خلال أشهر الصيف التي تشهد ذروة الاستهلاك الكهربائي، سواء في الاستخدامات المنزلية أو الحكومية أو الصناعية.
وأضاف في تصريح خاص لنيوز رووم ، هذا الحل مكلف، لكنه أقل تكلفة سياسيًا واجتماعيًا من انقطاعات الكهرباء أو توقف المصانع. لكنه لا يُغني بأي حال عن المسار الاستراتيجي المتمثل في زيادة الإنتاج المحلي وسداد مستحقات الشركاء الأجانب، لأن تأجيل السداد يهدد ثقة الشركاء في السوق المصري."
وأكد أن سداد مستحقات الشركاء كان سيسهم في تسريع تطوير الحقول المتقادمة، وزيادة أنشطة الحفر، وهو ما كان سيقلل تدريجيًا من الاعتماد على الواردات، ويخفف الضغط على النقد الأجنبي.
وفي السياق ذاته، قال مصدر مسؤول في قطاع الطاقة – رفض ذكر اسمه – إن شركات دولية عاملة في مصر أبدت تحفظها على تأخر سداد المستحقات، مؤكدًا أن استمرار هذا الوضع قد يؤثر على جاذبية مصر كمركز إقليمي للطاقة.
وأضاف المصدر في تصريح خاص لنيوز رووم ،نحتاج إلى رسائل طمأنة واضحة للمستثمرين. لا يمكن أن ننفق شهريًا ملايين الدولارات على وحدات تغييز مؤقتة بينما يتأخر سداد الشركاء الذين يمثلون عماد الإنتاج المحلي."
تأمين الإمدادات ضرورة.. لكن الكلفة مستمرة
من جانبها، تشير الجهات الحكومية إلى أن استئجار وحدات التغييز كان ضرورة حتمية، خاصة في ظل تشغيل وحدة واحدة فقط حتى الآن، وعدم الانتهاء بعد من ربط الوحدتين الجديدتين "إنيرغوس باور" و"إنيرغوس إسكيمو"، رغم وصولهما إلى الموانئ المصرية منذ أسابيع.
وتؤكد الحكومة أنها بدأت بالفعل سداد جزء من المستحقات، وأعلنت مؤخرًا عن دفع مليار دولار من مستحقات الشركاء، مع خطة تدريجية لمعالجة باقي المستحقات تبعًا للموارد المتاحة.
إنتاج الغاز في مأزق.. والأسباب متعددة
تشير البيانات الرسمية إلى أن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي تراجع إلى أقل من 4 مليارات قدم مكعبة يوميًا، بعد أن كان يلامس حاجز 7 مليارات قدم مكعبة يوميًا قبل نحو عامين. هذا التراجع المفاجئ أربك حسابات الدولة وأعاد البلاد إلى خانة الاستيراد، بعد أن كانت قد أعلنت الاكتفاء الذاتي في 2018.
ويرجع التراجع إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها:
انخفاض الضغط في الحقول الكبرى مثل "ظهر" و"نورس"، دون دخول اكتشافات جديدة تعوض التراجع.
تباطؤ برامج الحفر والتطوير بسبب تأخر سداد المستحقات.
تراجع الاستثمارات في أنشطة الاستكشاف، خصوصًا في المياه العميقة.
بطء طرح المزايدات وتفعيل الاتفاقيات، ما أدى إلى تأخير دخول مناطق إنتاج جديدة.
الموازنة الدقيقة مطلوبة
يرى خبراء أن الدولة تقف أمام معادلة صعبة اما تحقيق التوازن بين الإنفاق على حلول عاجلة مثل استيراد الغاز وتشغيل وحدات التغييز، وبين بناء حلول استراتيجية طويلة الأجل تقوم على زيادة الإنتاج المحلي وسداد الالتزامات.