عاجل

الصين في مواجهة الغرب: كيف تعيد بكين تشكيل المشهد التجاري العالمي؟

أقتصاد الصين
أقتصاد الصين

تشهد التجارة العالمية في السنوات الأخيرة تحولات جذرية، كان للصين النصيب الأكبر في صناعتها، إذ تعمل بكين على إعادة رسم خريطة التدفقات التجارية عبر مبادرات استراتيجية كبرى، واتفاقيات دولية واسعة، وتوسع غير مسبوق في أسواق جديدة.

تنويع الشركاء التجاريين

لم تعد الصين تعتمد على الأسواق التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة فحسب، بل اتجهت بقوة نحو آسيا، إفريقيا، مستفيدة من مبادرة "الحزام والطريق" التي شملت حتى الآن أكثر من 150 دولة، هذه المبادرة عززت من دور الموانئ والطرق والسكك الحديدية التي تمولها الصين في تسهيل حركة السلع وتقليل التكاليف اللوجستية.

مواجهة الضغوط والقيود

مع تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وفرض قيود على الصادرات التكنولوجية، لجأت الصين إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد بما يحد من اعتمادها على الغرب، فقد توسعت في التبادل مع روسيا ودول جنوب شرق آسيا، وعززت شراكاتها مع دول الخليج للحصول على الطاقة بأسعار تفضيلية مقابل استثمارات في البنية التحتية.

التوجه نحو الاقتصاد الأخضر

جانب آخر من إعادة تشكيل خريطة التجارة يتمثل في توجه الصين إلى التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة فالصين اليوم هي أكبر مُصدّر عالمي للألواح الشمسية والسيارات الكهربائية والبطاريات الليثيوم، وهو ما يمنحها نفوذًا متزايدًا في الاقتصاد العالمي المقبل، خاصة في ظل التحول الدولي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

تعزيز الاتفاقيات الإقليمية بعيدًا عن القيود الأوروبية

انضمام الصين إلى اتفاقيات كبرى مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي تضم 15 دولة آسيوية، منحها مساحة أوسع للتحرك التجاري بعيدًا عن القيود الأمريكية والأوروبية، كما ساعدها في ترسيخ موقعها كمحور رئيسي للتجارة في آسيا والمحيط الهادئ.

خريطة جديدة للتجارة العالمية

أصبحت بكين مركزًا للتصنيع والتوزيع وإعادة التصدير، معتمدة على شبكة من الاستثمارات في الموانئ من باكستان حتى اليونان، مما يمنحها القدرة على التحكم في مسارات التجارة البحرية والبرية على حد سواء.

 أبرز القوى المؤثرة في هذا المجال الأقتصادي

 الدكتور محيي عبدالسلام
 الدكتور محيي عبدالسلام


من جانبه، قال الدكتور محيي عبدالسلام، الخبير الاقتصادي، إن قضية إعادة رسم خريطة التجارة العالمية تمثل ملفًا شديد الأهمية نظرًا لتأثيرها المباشر على اقتصادات مختلف الدول، مشيرًا إلى أن الصين بما تملكه من قوة وحجم تجارة ضخم تُعد إحدى أبرز القوى المؤثرة في هذا المجال.

وأوضح "عبدالسلام" في تصريح خاص لـ"نيوز روم"، أن الصين اتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى تنويع استثماراتها والتوسع بشكل أكبر في الأسواق الأفريقية والآسيوية، بعدما كانت تعتمد بصورة أكبر على السوق الأمريكية حتى عامي 2018 و2019.

وأضاف، أن الصين خفضت صادراتها واستثماراتها في السوق الأمريكية خلال عام 2024 إلى نحو 15%، بعد أن كانت تمثل قرابة 19% في 2018 من إجمالي تجارتها العالمية.

وأشار الخبير الاقتصادي، أن الصين باتت تعتمد بشكل متزايد على مبادرة "الحزام والطريق" لتوسيع نطاق صادراتها وتعزيز حضورها في الأسواق الآسيوية والأفريقية والأوروبية، لافتًا إلى أن السوق المصري أصبح يحظى باهتمام متنامٍ من بكين.

وقال: "حجم الأعمال الصينية في مصر يتراوح حاليًا بين 10 و12 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع العام المقبل إلى نحو 16 مليار دولار، وذلك بفضل ما تملكه مصر من موقع لوجيستي استراتيجي، فضلًا عن كونها سوقًا استهلاكيًا ضخمًا وممرًا طبيعيًا للتجارة العالمية."

وأكد عبدالسلام، أن مصر تمثل للصين وجهة مثالية للصناعات الثقيلة كثيفة العمالة ورأس المال، خاصة في ظل رخص وتوافر العمالة الماهرة وقرب مصادر الخامات من السوق المصري، بالإضافة إلى سهولة النفاذ إلى الأسواق العربية والأفريقية والأوروبية عبر مصر.

وأضاف، أن السياسات المصرية الراهنة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أسهمت في تعزيز هذا التوجه، خاصة مع انضمام مصر إلى تجمع "البريكس" والتوسع في التعاون مع روسيا والصين، وهو ما جعل القاهرة سوقًا استراتيجيًا أمام الاستثمارات الصينية.

وأوضح، أن السياسات الحمائية الأمريكية وفرض الرسوم الجمركية خلال السنوات الأخيرة دفعت الصين إلى البحث عن أسواق بديلة وتحالفات جديدة، معتبرًا أن هذه السياسات غير رشيدة، وهو ما يعجل برسم خريطة تجارية عالمية جديدة ترتكز على توازن أكبر في مواجهة الهيمنة الأمريكية.

تعميق التعاون مع دول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية

الدكتور هاني أبو الفتوح
الدكتور هاني أبو الفتوح

فيما، قال الخبير الاقتصادي الدكتور هاني أبو الفتوح، إن الصين تتحرك بوضوح نحو إعادة رسم خريطة تجارتها العالمية في ظل استمرار حالة الشد والجذب مع الولايات المتحدة وأوروبا. 
وأوضح "أبو الفتوح" في تصريح خاص لـ"نيوز روم"، أن بكين باتت تركز على تنويع شركائها التجاريين من خلال تعميق التعاون مع دول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، لاسيما عبر مبادرة "الحزام والطريق".

وأضاف، أن البيانات الأخيرة تعكس نمواً متسارعاً في التبادل التجاري مع هذه الاقتصادات الناشئة، وهو ما يشير إلى سعي الصين لتقليل اعتمادها على الأسواق الغربية وتعزيز مرونة سلاسل الإمداد. واعتبر أن هذه الاستراتيجية تمنح بكين مساحة أوسع للتحرك في مواجهة الضغوط الجيوسياسية.

وأشار أبو الفتوح إلى أن هذا التوجه، رغم أهميته، يواجه عقبات ليست بسيطة، منها محدودية القوة الشرائية في بعض الأسواق الناشئة، إلى جانب الحاجة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية والقطاع اللوجستي. ومع ذلك، يرى أن الاتجاه العام يعكس انتقالاً تدريجياً نحو نموذج تجاري أكثر توازناً وتنوعاً.

وأكد، أن الصين تسعى لإعادة صياغة موقعها داخل النظام الاقتصادي العالمي، ومن المتوقع أن تؤدي هذه التحولات إلى إعادة رسم ملامح التجارة الدولية خلال السنوات القادمة.
 

تم نسخ الرابط