إنسانية بزي رسمي.. عسكري المترو يحمل شابًا من ذوي الهمم على ظهره

في صباح هادئ داخل إحدى محطات المترو بالقاهرة، حيث اعتاد الركاب على إيقاع القطارات السريع وصوت الأبواب وهي تُفتح وتُغلق، كان المشهد يبدو عاديًا؛ زحام متدفق من المارة، خطوات مسرعة تلحق بمواعيد العمل، وأخرى متثاقلة تتماشى مع إرهاق يوم جديد، لكن في قلب هذا الروتين اليومي، ووسط صخب القضبان، وُلدت لحظة إنسانية صنعت فارقًا عميقًا.
وعلى رصيف المحطة، وقف فرد خدمة يرتدي زيه العسكري التابع لوزارة الداخلية، كان يتحرك بخطوات هادئة، يراقب حركة الركاب، ينظم الدخول والخروج، ويؤدي عمله بإخلاص في صمت، لكنه لم يكن يتوقع أن يتحول في دقائق معدودة إلى بطل صامت، يلهم الجميع بمشهد إنساني لا يُنسى.
عسكري المترو يحمل شابًا من ذوي الهمم
بين الجموع، كان شاب من ذوي الهمم يجلس على كرسيه المتحرك بالقرب من السلم المؤدي إلى الجانب الآخر من المحطة، عيناه كانتا تلاحقان الدرج الطويل بنظرات ممتلئة بالتردد والقلق، وكأن السلم تحول فجأة إلى جدار عالٍ يستحيل تجاوزه، ولم يكن هناك مصعد كهربائي أو ممر مخصص للكراسي المتحركة، ليقف الشاب أمام تحدٍ قاسٍ في قلب مكان يفترض أن يكون ممرًا سهلاً للجميع.
وهنا، اقترب العسكري بخطوات مطمئنة، ومال بجسده نحو الشاب قائلاً بصوت لطيف: "محتاج مساعدة يا بطل؟" رد الشاب بخجل وبصوت خافت: "عايز أروح للناحية التانية.. بس مش عارف أطلع الكرسي على السلم"، خيّم صمت قصير على المكان، لكن سرعان ما كسره العسكري بابتسامة صافية وهمس مطمئن: "ولا تشيل هم".
وفي مشهد لم يتوقعه أحد، انحنى العسكري ثم حمل الشاب على ظهره بكل إنسانية، تاركًا الكرسي خلفه، وبدأ يصعد الدرج بخطوات ثابتة، واحدة تلو الأخرى، بينما أنفاسه تختلط بصوت الحركة المتواصلة حوله، فوقف المارة مذهولين؛ بعضهم توقف عن السير، وآخرون اكتفوا بمراقبة المشهد بعيون ممتلئة إعجابًا، فيما رفع بعضهم هواتفهم لتوثيق اللحظة النادرة.
رغم ثقل الحمل وطول السلم، لم تظهر على وجه العسكري أي علامات تعب أو ضيق، ومضى كأنما يحمل رسالة أكبر من مجرد جسد على ظهره، حتى وصل إلى قمة الدرج، ثم هبط إلى الجهة الأخرى من الرصيف، ووضع الشاب برفق على الأرض، ولم يكتف بذلك، بل عاد بخطوات سريعة ليجلب الكرسي المتحرك، وأجلس الشاب عليه بحنان، وربت على كتفه مطمئنًا: "كله تمام.. إحنا في خدمتك".
هي لحظة قصيرة لكنها حفرت أثرًا عميقًا، وامتلأت عيون الشاب بامتنان صامت، حاول أن يصوغه بكلمات شكر، لكن العسكري اكتفى بابتسامة خجولة وكلمة مقتضبة: "ده واجبنا"، كلمات بسيطة لكنها كانت أبلغ من أي خطاب.
ولم يستغرق الموقف سوى دقائق، لكنه ترك وقعًا إنسانيًا كبيرًا في قلوب الجميع، وتبادل بعض الركاب صور المشهد على هواتفهم، وآخرون تمتموا بكلمات إعجاب: "لسه في خير.. ولسه في رحمة"، وكأن هذه اللحظة الصغيرة جددت بداخلهم الإيمان بأن الإنسانية لا تزال تعيش في تفاصيل الحياة اليومية، حتى في محطات المترو المزدحمة.
وبعدها، عاد العسكري بعدها إلى موقعه يستأنف عمله وكأن شيئًا لم يحدث، ولم يسع وراء تصفيق، ولم يلتفت لنظرات الإعجاب، بل واصل أداء مهمته الروتينية بهدوء، لكنه ترك وراءه قصة تُروى، وصورة عالقة في أذهان الركاب، ودليلًا حيًا على أن الزي الرسمي لا يعني فقط القانون والانضباط، بل يمكن أن يكون جسرًا للرحمة والدعم في أصعب اللحظات.


