عاجل

في قاعة الاجتماعات التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسى برئيس الوزراء ورؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية، كُتب فصل جديد في مسيرة بناء الوعي الوطني. الرئيس، الذي اعتاد أن يضع النقاط فوق الحروف في القضايا الجوهرية، تحدث بوضوح عن الإعلام المصري، لا باعتباره ناقلًا للخبر فحسب، بل باعتباره أداة لصياغة وعي الأمة وصيانة ذاكرتها ورسم ملامح المستقبل.

تحية الرئيس للعاملين في قطاع الإعلام لم تكن مجاملة بروتوكولية، بل إقرار بدورهم الحيوى في بناء الشخصية الوطنية وتعريف المواطن بما يجري في الداخل والخارج، وإبراز ما تحقق من إنجازات، في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل الحقائق بالشائعات. وهذا الإقرار، مقرونًا بالتأكيد على التزام الدولة الراسخ بحرية التعبير واحتضان كافة الآراء الوطنية، يضع أسسًا صلبة لإعلام يتسم بالتعددية والانفتاح الفكري، ويعكس الثقة في قوة الدولة التي لم تعد تهتز أمام رأي مخالف أو مقال ناقد أو برنامج يفتح الملفات.

الرئيس شدد على أن إعداد خارطة طريق لتطوير الإعلام ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية تفرضها المتغيرات العالمية، وجاء التوجيه بالاستعانة بالخبرات والكفاءات، وإتاحة البيانات والمعلومات خاصة في أوقات الأزمات، حتى يتم تقديم الحقائق كاملة بعيدا عن المبالغات أو النقص في العرض. فالإعلام في فكر القيادة ليس منصة صدى، بل منصة وعى، قاعدتها المعلومة الدقيقة والموقف المتزن.

وفي هذا السياق، برزت أهمية المؤسسات الصحفية القومية بوصفها الذاكرة الحية للأمة ومرآتها التاريخية. فهي التي وثقت انتصاراتنا الكبرى، وحملت صوت مصر إلى العالم، وظلت لعقود مدارس لتخريج أجيال من الصحفيين القادرين على الجمع بين الصنعة والموقف الوطنى. وتوجيهات الرئيس بتحديث هذه المؤسسات ليست مجرد إصلاح إدارى أو تقنى، بل عملية إعادة بعث لدورها الريادي، لتمكينها من مواكبة العصر الرقمي واستعادة مكانتها بين كبريات الصحف العالمية.

ولأن الأوطان تبنى بسواعد شبابها، فقد أولى الرئيس أهمية خاصة لتمكين الكوادر الشابة المؤهلة، مع تنظيم برامج تدريبية وتثقيفية ترتكز على مفاهيم الأمن القومي والانفتاح على مختلف الآراء، لترسيخ مبدأ “الرأى والرأى الآخر” داخل المنظومة الإعلامية. وهنا، تتجلى الثقة في أن التنوع في الطرح مصدر قوة، وأن الاستقرار السياسي الذي حققته مصر يتيح فتح المجال العام بسقف حريات أوسع، دون خشية من أن ينال النقد من ثوابت الدولة أو وحدتها.

الاجتماع تطرق أيضًا إلى تطوير ماسبيرو، أحد أعرق الصروح الإعلامية في الشرق الأوسط، إلى جانب خطوة عملية بالموافقة على صرف البدل النقدي المقترح للصحفيين وحل مشكلة مكافأة نهاية الخدمة للعاملين في ماسبيرو، وهو ما يعكس إدراك القيادة أن تطوير المهنة يبدأ من صيانة حقوق المشتغلين بها وضمان كرامتهم.

إن الرسالة التي يمكن قراءتها بين سطور هذا اللقاء واضحة: مصر تتجه نحو إعلام وطني عصرى، يوازن بين الحرية والمسؤولية، بين التنوع في الآراء ووحدة الهدف، بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم. إعلام لا يكتفي بنقل الحدث، بل يشرحه ويفسره ويضعه في سياقه، ويكون سنداً للمواطن في مواجهة سيل المعلومات المتناقضة.

لقد آن للإعلام المصرى، بمؤسساته المرئية والمسموعة والمكتوبة، أن يكون على مستوى الجمهورية الجديدة ؛ جريئاً في طرحه، واثقاً في نفسه، متصالحاً مع الاختلاف، مستنداً إلى الحقيقة، ومؤمناً بأن الدولة القوية لا تخشى النقد، بل تستفيد منه. وكما أكد الرئيس، فإن “الرأى والرأى الآخر” ليسا شعارًا للاستهلاك، بل قاعدة متينة لبناء إعلام يعكس مصر التي تثق في حاضرها وتتطلع إلى مستقبلها.

تم نسخ الرابط