عاجل

في السوبر كلاسيكو بين "البوكا" و"الريفر" لا مكان للعقل.. فقط الكراهية والشغف

السوبر كلاسيكو بين
السوبر كلاسيكو بين البوكا و ريفير بليت

داخل أحياء بوينس آيرس، حين تتوقف الحياة وتشتعل الشوارع بجنون العاشقين، لا يسأل الناس عن الطقس، أو الاقتصاد، أو حتى رئيس البلاد، بل هناك سؤال واحد فقط يهم الجميع، من سيفوز اليوم، بوكا أم ريفر.
 

في تلك اللحظة التي تدق فيها ساعة المباراة، ينقسم الأرجنتينيون إلى معسكرين لا ثالث لهما، لا مصالح مشتركة، لا صداقات، ولا حتى عائلات، لأن السوبر كلاسيكو ليس مجرد مباراة، إنه معركة شرف، اختبار ولاء، صدام بين الفقراء و الأغنياء، بين “لا بومبونيرا” و”المونيمنتال”، بين الأزرق والذهبي، ضد الأحمر والأبيض.

هنا لا تُقاس النتيجة بعدد الأهداف فقط، بل بعدد القلوب المكسورة، وعدد منازل الحي التي تُضاء حتى الفجر فرحًا أو حزنًا، إنّه ذلك اليوم الذي تتحوّل فيه كرة القدم إلى طقس ديني، وتصبح الأقدام التي تركض في الملعب أهم من قرارات البرلمان.


 

أسباب العداء التاريخي بين بوكا جونيورز وريفربليت

 

تعود جذور العداء بين العملاقين إلى بدايات القرن العشرين، عندما تأسس كلا الناديين في حي “لا بوكا” الشعبي في بوينس آيرس، ومع انتقال ريفر بليت لاحقًا إلى حي “نونييث” الراقي، بدأت تتشكل ملامح العداء الطبقي بين الجماهير، حيث أصبح يُنظر إلى ريفر بليت كفريق “الطبقة الغنية” أو “الراقية”، بينما بقي بوكا جونيورز فريق “الطبقة العاملة” أو “الفقراء”.


 

هذا الانقسام الاجتماعي والطبقي انعكس على الهوية الثقافية للناديين، مما زاد من حدة التنافس بينهما، وجعل من كل مواجهة بينهما أكثر من مجرد مباراة كرة قدم، فالسوبر كلاسيكو يحمل في طياته صراع هوية وكرامة، وغالبًا ما تتحول مواجهاته إلى معارك نفسية وجسدية داخل وخارج المستطيل الأخضر.


 

أبرز اللاعبين الذين مثّلوا الفريقين
 

من النادر جدًا أن ينتقل لاعب من بوكا جونيورز إلى ريفر بليت أو العكس، بسبب الحساسية الجماهيرية الكبيرة، ومع ذلك، هناك عدد قليل من اللاعبين الذين ارتدوا قميصي الفريقين، و لعل أبرزهم:

جابرييل عمر باتيستوتا، بدأ مسيرته في ريفر بليت ثم انتقل لاحقًا إلى بوكا جونيورز حيث بزغ نجمه


 

كلاوديو كانيجيا، من أبرز الأسماء التي لعبت للفريقين، حيث عرف عنه عشقه للأزرق و الذهب، لكنه دافع في فترات مختلفة عن قميص الغريم .
 

جوناثان فابرو، لعب في فئات ريفربليت السنية ثم مثّل الغريم بوكا لاحقًا

خوسيه لويس كوتشوف، من القلائل الذين سجلوا أهدافًا في السوبر كلاسيكو لصالح كلا الفريقين.
 

ابرز المباريات والنتائج التاريخية


 شهد تاريخ السوبر كلاسيكو أكثر من 250 مواجهة رسمية، حتى مطلع الموسم الجاري، وبرزت عدة مباريات منها في ذاكرة كرة القدم العالمية:

 

سوبر كلاسيكو عام 1940 .. أكبر فوز للبوك، اكتسح الأزرق و الذهب غريمه بسداسية بيضاء، و تُعد النتيجة الأكبر في تاريخ المواجهات بين الغريمين، حيث يتغنى بها مشجعو لابومبونيرا حتى اليوم.
 

سوبر كلاسيكو عام 1941 .. أكبر فوز لريفر بليت

حقق ريفر بليت الانتصار الأكبر له تاريخيًا على بوكا جونيورز بخمسة أهداف مقابل هدف واحد، حيث جاء رد الأحمر و الأبيض بقوة على هزيمة العام السابق، في مباراة أظهرت تألق هجوم الفريق في تلك الحقبة.


 

سوبر كلاسيكو عام  2004 ، نصف نهائي الليبرتادوريس، انتصر بوكا جونيورز بركلات الترجيح بعد التعادل في مجموع المباراتين، كانت واحدة من أكثر المباريات توترًا، وشهدت طرد العديد من اللاعبين ومناوشات عنيفة بين اللاعبين والجماهير.

 

سوبر كلاسيكو عام 2014 .. نصف نهائي كأس سودامريكانا، تفوق ريفر بليت  ذهابًا وإيابًا، شهدت المباراة هيمنة واضحة للأحمر و الأبيض تحت قيادة مدربه الحالي"مارسيلو جاياردو"، وكانت بداية سلسلة تفوقه القاري.


 نهائي كوبا ليبرتادوريس عام 2018 .. المباراة الأشهر

فوز ريفر بليت 3-1 "إياب النهائي في ملعب سانتياجو برنابيو بمدريد"، تعتبر هذه المواجهة هي الأهم في تاريخ السوبر كلاسيكو، حيث جمعت الفريقين لأول مرة في نهائي كوبا ليبرتادوريس، بسبب أحداث الشغب قبل مباراة الإياب في بوينس آيرس و بالتحديد ملعب مونيمنتال"، تم نقل المباراة إلى مدريد، فاز ريفر بليت باللقب في مباراة تاريخية أصبحت رمزًا للصراع الكروي في أمريكا الجنوبية.


 

أجواء المدرجات والجماهير


 المدرجات تلعب دورًا محوريًا في السوبر كلاسيكو، فملعب “لا بومبونيرا” الخاص ببوكا يتميز بأجوائه الصاخبة، وهتافات الجماهير التي لا تهدأ، أما ملعب “المونيمنتال” الخاص بريفر بليت فهو أكبر ملاعب الأرجنتين ويتسع لأكثر من 80 ألف متفرج، ويتميز بتنظيمه وهتافاته الموحدة.


 

الجماهير في هذه المواجهة لا تعرف الرحمة، وتعيش اللقاء بكل مشاعر التوتر، الحماس، وحتى العنف أحيانًا، وقد شهدت بعض المواجهات أحداث شغب جماهيري دفعت السلطات إلى منع حضور الجماهير الضيوف في بعض المواسم.


 أخيرًا، يبقى السوبر كلاسيكو بين بوكا جونيورز وريفر بليت أكثر من مجرد مباراة في كرة القدم، إنه صراع هوية وتاريخ، قصة طويلة من العداء والكبرياء والانتماء، هو الموعد الذي يتوقف فيه نبض الأرجنتين، وتتحول فيه كرة القدم إلى دراما حقيقية، حيث لا مكان للحياد، ولا وجود للهدوء، ومهما تغيرت الأجيال وتبدلت الأسماء، سيبقى السوبر كلاسيكو هو القلب النابض لكرة القدم الأرجنتينية، والمرآة التي تعكس شغف شعب لا يعيش كرة القدم، بل يتنفسها.

تم نسخ الرابط