في ذكرى ميلاده .. رشدي أباظة الشاب الوسيم حلم كل فتاة

في مثل هذا اليوم، 3 أغسطس عام 1926، وُلد أحد أبرز وجوه السينما المصرية والعربية، الفنان رشدي أباظة، الذي تحول من شاب وسيم يحمل ملامح أوروبية شرقية إلى أيقونة تمثيل فريدة، حفر اسمه بجدارة في ذاكرة الفن العربي. وعلى الرغم من رحيله منذ أكثر من أربعة عقود، لا تزال صورته تلمع في أذهان عشاق الشاشة الذهبية، كرمز متكامل يجمع الكاريزما، والموهبة، والحضور الذي لا يتكرر.
بداية أرستقراطية… وملامح عالمية
ولد رشدي سعيد بغدادي أباظة لأسرة أرستقراطية ذات أصول مختلطة؛ أب مصري ينتمي لعائلة عريقة، وأم إيطالية منحته ملامح أجنبية مميزة، ساعدته لاحقًا في كسر الشكل التقليدي لـ”فتى الشاشة” آنذاك. لم يعتمد أباظة على وسامته فقط، بل عمل على أدواته كممثل، ليقدّم توازنًا نادرًا بين الشكل والأداء، فتمكن من حجز مكانه بين كبار النجوم عبر أكثر من 100 عمل فني تنوعت بين الأكشن والرومانسية والتاريخ والكوميديا.
خطوات أولى متواضعة… وبداية الانطلاقة مع “تمر حنة”
رغم ظهوره في بداياته بأدوار صغيرة في أفلام مثل “رد قلبي” و“جعلوني مجرمًا” و“حياة أو موت”، فإن تلك الأدوار لم تمنحه بعدُ الانطلاقة المرجوة. الانفراجة جاءت حين اختاره المخرج حسين فوزي لبطولة فيلم “تمر حنة” عام 1957، حيث جسد شخصية “حسن الغجري”، فلفت الأنظار بقدرته على الجمع بين الغموض والجاذبية.
توالت بعدها الأعمال التي أكدت مكانته كنجم لا يُستهان به، مثل دوره في فيلم “امرأة في الطريق” عام 1958، الذي يُعد أحد أبرز محطات مسيرته، وقدم فيه شخصية مركبة شديدة التعقيد، وسط أداء مبهر حاز على إشادة النقاد والمخرج عز الدين ذو الفقار نفسه، الذي قال لاحقًا إن إسناد الدور له بدلًا من شكري سرحان كان قرارًا موفقًا.
أدوار أيقونية صنعت مجده
امتلك رشدي أباظة قدرة نادرة على التلوّن الفني. فقدم أدوارًا لا تُنسى في مجموعة من كلاسيكيات السينما المصرية، منها:
• الرجل الثاني (1959): في دور “عصمت كاظم”، ضمن واحدة من أبرز أفلام الجريمة والإثارة.
• صراع في النيل: إلى جانب عمر الشريف، بشخصية صعيدي جريء يدخل في مواجهة ملحمية.
• شيء في صدري (1961): أداء فلسفي وإنساني يلامس عمق الشخصية.
• الزوجة 13: كوميديا اجتماعية لا تزال تحظى بمتابعة جماهيرية.
• في بيتنا رجل: بدور “عبد الحميد زاهر”، المتردد بين قناعاته والتقاليد.
• وا إسلاماه: أظهر فيه قدرة متميزة على تجسيد شخصيات تاريخية، حيث قدّم شخصية القائد “بيبرس” بإقناع ومهابة.
كل هذه الأعمال لم تكن مجرد محطات نجاح، بل كانت دروسًا في الأداء والاختيارات الذكية، رسّخت اسم رشدي أباظة كنجم استثنائي في سجل السينما.
حياة خاصة تحت الأضواء
لم تكن حياة رشدي أباظة الشخصية أقل إثارة من أدواره السينمائية. فقد تزوج خمس مرات، كان أشهرها زواجه من الفنانة سامية جمال، الذي استمر لأكثر من 18 عامًا، ويُعد من أنجح الزيجات في الوسط الفني. كما تزوج لفترة قصيرة من تحية كاريوكا، ومن أمريكية تُدعى باربرا، التي أنجب منها ابنته الوحيدة قسمت.
رغم الصورة الجادة التي قدّمتها أدواره، إلا أن زملاءه يشهدون له بخفة ظل استثنائية وروح مرحة جعلته محط حب واحترام في الوسط الفني. كما عرف عنه الكرم الشديد، والوفاء لأصدقائه من الفنانين، وعلى رأسهم أحمد رمزي وعمر الشريف.
وداع مبكر… لكن إرث خالد
في 27 يوليو 1980، وقبل أيام من عيد ميلاده الرابع والخمسين، توفي رشدي أباظة بعد صراع مع مرض السرطان. كان رحيله فاجعة لعشاقه، لكنه لم يُنهِ حضوره. فما زالت أفلامه تُعرض باستمرار، وما زال يُشار إليه كنموذج فني وإنساني نادر.
شركات الإنتاج كانت تضع عبارة “نجم النجوم” على ملصقات أفلامه، تقديرًا لجماهيريته الجارفة، وتأثيره في شباك التذاكر، وقدرته على الجمع بين النقاد والجمهور.
بعد 99 عامًا من ميلاده… ما زال يُلهم
اليوم، وبعد 99 عامًا على ولادته، لا تزال السينما العربية مدينة لهذا الفنان الكبير، الذي قدّم مدرسة في الأداء، قائمة على البساطة والعمق، القوة والضعف، الرقي والعفوية، رشدي أباظة لم يكن مجرد ممثل وسيم، بل كان صوتًا وصورة لجيل كامل، وإنسانًا ترك في كل مشهد لمسة لا تُنسى.