في لحظة إقليمية دقيقة، وعلى وقع حرب مشتعلة في غزة، خرجت جماعة الإخوان – بثوبها الملطخ بدماء الفتن – لتحرض علناً على محاصرة سفارات مصر في العواصم العربية والغربية، تحت ستار الدفاع عن القضية الفلسطينية، وبدعوى باطلة تزعم أن القاهرة تمارس “حصارًا” على غزة، لا الكيان المحتل.
تبدو الدعوة، في ظاهرها، وكأنها نداء غضب شعبي. لكنها في حقيقتها، ليست إلا سُمية سياسية محمولة على ظهر أفعى، تقطر خبثاً وتحريضاً، وتستهدف ضرب صورة مصر دولياً ،وتأليب الشعوب العربية عليها، في لحظة تصطف فيها القاهرة مع شعب غزة، وتتحمل من كلفة الأزمة ما لا يطيقه غيرها.
إنها ليست مجرد دعوة للتظاهر أمام سفارة، بل فصل جديد من فصول “الوظيفة الإخوانية”، ذلك الدور المرسوم بعناية في دهاليز الاستخبارات المعادية، الذي لا يزال يُؤدى بإخلاص مذهل من قِبَل جماعة اعتادت أن تعيش على الأزمات، وتتنفس من ثغرات الدول، وتقتات من رماد الأوطان.
•••
اختارت الجماعة الارهابية توقيتاً بالغ الحساسية:
– غزة تحترق وتموت جوعاً، والقلوب العربية ترتعش، والعواصم الإقليمية تبحث عن مَخرج يُنقذ ما تبقى من مدنيين تحت الأنقاض.
– مصر، وحدها، تتحرك بكل اتزان: تفتح معبر رفح، تُسيّر قوافل الإغاثة، تحتضن الجرحى، وتقود الوساطة رغم ركام الاتهامات والتشكيك.
– وفي المقابل، تطل جماعة “السموم السياسية” لتسكب الزيت على النار، وتحاول عبر أبواقها في المنفى أن تُلبس مصر ثوب الجلاد، وتخلع عن العدو سترته الملطخة بالدم.
هل هو محض صدفة أن تتزامن هذه الدعوات مع تصاعد الضغط الإنساني على غزة؟ هل هي حركة عفوية من قلوب تشتعل غيرة؟
أبدًا… بل هو تصعيد محسوب، يحمل بين سطوره رسائل ابتزاز سياسي وأوامر تشغيل واضحة من ممولي الجماعة في الخارج.
•••
وكما في كل مرة، تولّت قنوات التحريض تسويق هذه الدعوات، فصنعت من التحريض “قضية”، ومن المأجورين “ثوارًا”، وروّجت لأكذوبة أن مصر “تحاصر غزة”، متجاهلة تمامًا من أشعل الحرب، ومن اختبأ في الأنفاق، ومن جرّ القطاع إلى نفق اللاعودة من أجل مشروع ظاهره البطولة وباطنه المقامرة اسمه “المقاومة”.
لكن ما يُراد لمصر اليوم ليس مجرد تشويه… بل استدراجها إلى مستنقع المساومات.
فهذه الدعوات الخبيثة، إلى جانب حملات التشكيك الممنهجة، ليست إلا محاولة جديدة للضغط على الدولة المصرية لفتح قنوات اتصال مع الجماعة، وللترويج من خلف الستار لـ”مصالحة مشروطة”!
•••
منذ نشأتها، لم تكن جماعة الإخوان جماعة وطنية، بل كانت دائمًا “جماعة وظيفية” تؤدي أدوارًا مرسومة في توقيتات محددة، ضمن خرائط مرسومة من عواصم القرار المعادية لمصر.
من زمن الملكية إلى عهود الجمهورية، ومن صفوف المعارضة إلى كواليس السلطة، لم تكن الجماعة سوى أداة مأجورة في يد أجهزة استخبارات تريد اختراق مصر، لا حكمها.
واليوم، تعود الجماعة – بعد أن خسرت الداخل – إلى أدوات الخارج:
تحريض على السفارات ..شيطنة للدولة المصرية..قلب للرواية ..وصناعة وهم أن الحصار من “الأشقاء”، لا من “العدو”.
لكنها مراهنة خاسرة… فمصر اليوم ليست مصر الأمس، وشعبها بات يدرك جيدًا مَن يحرّض عليه باسم الدين والقومية ونصرة القضية، ومَن يدفع الأثمان باسم الوطن.
مصر أكبر من حملاتهم.. وأقوى من مخططاتهم
ليطمئن المتآمرون… فمصر لا تُبتز، ولا تُهادن، ولا تفتح قنوات حوار مع من تلطخت أيديهم بدماء جنودها، وعرّضوا أمنها القومي للعبث، وأرادوا تقسيمها من الداخل، خدمةً لأجندات الخارج.
وليعلم كل من تراوده الأوهام أن مصر – التي لم تخضع للضغوط في أصعب لحظات التاريخ – لن تلتفت إلى أصوات مأجورة على الأرصفة، ولا إلى دعوات تحريض تُطلق من عواصم المخابرات وأبواق الكراهية.
مصر تحاصر الإرهاب، لا غزة.
وتواجه الخيانة، لا القضية.
وتخوض حربًا من أجل الأمة، بينما يتاجر الآخرون بدمائها… وبدماءنا.